لم يعش جنس أدبي «حصار» نخبوية القراءة كما عاش الأدب المسرحي. العادة والمألوف أن يذهب عشاق المسرح لمتابعته هناك في بيته، وهم من تلك المتابعة المباشرة جرت تسميتهم «النظَارة»، لأن علاقتهم بفن المسرح تقوم على النظر والمشاهدة. مع ذلك، تثير قراءة المسرحيات المنشورة في كتب فكرة بالغة الأهمية: فيما تقوم مشاهدة مسرحيات «الخشبة» على التجسيد من خلال الممثلين والديكور والحوار المنطوق، تنهض قراءة المسرحية المنشورة على التخيُّل، أي إعادة رسم تفاصيل المسرحية في مخيلة القارئ وفكره. الأمر هنا يقارب الفارق بين قراءة الرواية ومشاهدة فيلم سينمائي مأخوذ عنها: كثر من محبي الأدب يفضلون الرواية المقروءة عن «فيلمها» ليقينهم أن عدسة التصوير السينمائي كثيراً ما تعجز عن تجسيد صورة الحدث الروائي، بل أكثر من ذلك لأنهم لا يرغبون أن تتحوَّل شخصية روائية يحبونها إلى ممثلة أو ممثل يعرفونهما. يحب قرّاء الأدب الروائي أن يتخيلوا «أزميرالدا» بطلة «أحدب نوتردام» على هواهم، أما في السينما، فستنكسر المخيلة وتتوقف صورة «أزميرالدا» عند ملامح الممثلة الإيطالية المعروفة «جينا لولو بريجيدا»، ولا مكان للمخيلة بعد ذلك. المسرح علاقة مباشرة بين ممثلي الخشبة وبين «النظَارة»، ذلك حقيقي، ومع ذلك يرى كثر من عشاق الأدب أن «الكتاب المسرحي» له أيضاً متعته وفرادته، وهي متعة تأتي أيضاً من المخيلة بالذات: يحلو لقارئ أن يبني في مخيلته خشبة المسرح وديكورات المسرحية، وأعتقد أن «أبو الفنون» يمتلك مساحة لانهائية لذلك، خصوصاً وأن الأدب يقوم في أحد أهم بنائياته على المخيلة. كثير من هذا وقف وراء النجاحات الكبرى لنشر المسرحيات العالمية في «سلسلة المسرح العالمي» في مصر الستينات أولاً، ثم في الكويت بعد ذلك، وهي مسرحيات حظيت يومها –وتحظى الى اليوم– بقراءات ومتابعات لافتة. المسرح مقروءاً من كتاب؟ تلك بالتأكيد متعة أخرى، لكننا مع ذلك لا نستطيع إلا أن نؤكد أنها مختلفة، بل مختلفة كثيراً عن متابعة العرض، لا تلغيها، كما لا يستطيع العرض المسرحي إلغاءها.