تتخطى أيام مهرجان أفينيون المسرحي في دورته الرابعة والستين الشهر، وهو شهر حافل بالعروض المسرحية والمشهدية والموسيقية واللقاءات والمعارض الفنية. شهر بكامله، بلياليه كما بنهاراته تتحوّل خلاله مدينة أفينيون برمّتها إلى خشبة ضخمة يؤمّها آلاف الفنانين القادمين إليها من شتّى أنحاء المعمورة. جدران الملصقات واللافتات تواكبك وكائنات غريبة من حيوانات وأناس من القرون السالفة ومواكب أعراس وجنازات غريبة تحيّيك في الشوارع محاولة جذبك إلى المسارح، كما تستوقفك تجمعات المشاهدين في كل ساحة وعلى كل منعطف. كل ذلك في قيظ لا يرحم واكتظاظ بشري عظيم، إذ يزداد عدد سكان المدينة خلال المهرجان بما يقارب السبعة أضعاف. والأرقام خير تعبير عن هذا التمجيد لفنون الخشبة. فثمة 41 عملاً مسرحياً تقدّم في المهرجان الرسمي in الذي تقارب موازنته أحد عشر مليون يورو ونحو 1100 عمل مسرحي تقدّم في المهرجان غير الرسمي off في 123 موضعاً مختلفاً من أنحاء المدينة. وإن كانت دعوة فنان أو فرقة إلى مهرجان ال in تعتبر تكريساً عالمياً لفنّه، فإنّ مهرجان ال off هو أكبر سوق مسرحي في فرنسا يؤمّه هذا العام نحو 4200 مبرمجاً يختارون فيه المسرحيّات التي ستقدّم على خشبة مسارحهم في الموسم المقبل. وإذ تعود أيضاً شهرة هذا المهرجان العالمي إلى بداياته التي غدت أسطورية في عام 1947 تحت راية مؤسّسه جان فيلار وفنانه الأشهر جيرار فيليب والإرادة التي كانت تدفعهما لبناء مسرح شعبي، فقد اختلفت مُكوّنات المشهد الفني في الزمن الحاضر وغدا المهرجان، بدفعٍ من مديرَيه الفنيَين أورتونس ارشامبو وفانسان بودريي، مهرجاناً ذا بعد أوروبي أكيد تُقدّم فيه أعمال تنطق بلغات غير الفرنسية تقدمها فرق مسرحية أوروبية مشهورة أو فنانون مستقلّون. كما أن الأعمال الفنية المنتقاة تمتاز بكونها أعمالاً «كليّة» تمزج في العمل الواحد أجناساً فنيّة مختلفة من رقص ومسرح وفيديو وموسيقى وغناء وأعمال سحرية أو بهلوانية. ولعلّ اختيار المديرَين الفنيين لفنانَين مشاركين، لا لفنان واحد كما اعتادا على ذلك منذ بداية إدارتهما في عام 2004، خير تعبير عن هذا التطلّع إلى مزاوجة فنون الخشبة وعدم الاقتصار على النص. والفنانان المذكوران هما المخرج السويسري - الألماني كريستوف مارتالار الذي أتى إلى المسرح من الموسيقى، والفنان الثاني هو الكاتب الفرنسي أوليفي كاديو الذي يتعاون منذ زمن بعيد مع المخرج لودوفيك لاغارد مدير مسرح مدينة رينس. حدث شكسبيري بدأ المهرجان بداية صاخبة هذا العام إن على الصعيد السياسي الاجتماعي أو على الصعيد الفني، إذ نادى العاملون غير الدائمين في فنون الخشبة وزير الثقافة فريديريك ميتران في أول يوم من المهرجان وطالبوه بالحدّ من قصر موازنات الثقافة وذلك أمام 2000 مشاهد أتوا إلى ساحة الشرف في القصر البابوي ليحضروا العرض الأول لمسرحية «بابيرلاباب» التي قدّمها واضعها ومخرجها كريستوف مارتالار. ولم تحظ هذه المسرحية التي يمكن ترجمة عنوانها ب «تارلاتاتا» برضى الجمهور والصحافيين، فقد احتجّ جمع من المشاهدين غير ضئيل خلال العرض وخرجوا ضاجّين مبدين سخطهم. وقد أراد مارتالار الذي تمتاز أعماله بمزاوجة المسرح والموسيقى والغناء، أن يأتي في «بابيرلاباب» بعمل فنّي خاص بساحة الشرف يسبُر فيه غور أحجار القصر البابوي القديمة المفعمة بالتاريخ، كما توخّى أن يعبّر عما أوحت له شوارع المدينة التي تفخر بقصورها وكنائسها القروسطية وبساحاتها ومبانيها العائدة الى القرن السابع عشر. وتبدأ المسرحية التي يندر فيها النص وتتخللها مقاطع موسيقية عدة بدخول دليل سياحي أعمى يقود مجموعة من السيّاح في زيارتهم مبنى عريقاً قديماً وقد صمّمت الفنّانة أنّا فيبروك ترتيب الخشبة حيث وضعت خزانة اعتراف ضخمة وبعض المقاعد الكَنَسية كما جعلت غسّالة ضخمة تجثو في وسط الخشبة، غسّالة ستوضع فيها خلال العرض الألبسة البابوية وسيشفى الدليل من عماه بإدخال رأسه فيها. ولم تزعج الجمهور المشاعر المعادية للإكليروس بقدر ما أبعده ما بدا من تفكّك في العمل المسرحي وبطء غير مبرّر في تقدّمه الدرامي. إلا أنّ العمل الثاني الذي يقدمه مارتالار وعنوانه «من أجل ان نحمي أنفسنا من المستقبل» محكم الصنعة ذو بعد إنساني رائع صفّق له جمهور المشاهدين وقوفاً خلال عرضه. وهو استعادة لعمل مسرحي وضع عام 2005 وعرض على خشبات أوروبية أخرى يتناول فيه المخرج ذكرى أطفال مصابين بأمراض عقلية تمّت «تصفيتهم» باسم صفاء الجنس الآري في مستشفى أوتو فاغنر في فيينا خلال الحكم النازي. إلا أنّ الحدث الفعلي في ساحة الشرف جاء في القسم الأخير من المهرجان حيث قدّم المخرج جان باتيست ساستر مسرحية شكسبير «ريشار الثاني» في إخراج وديكور وأضواء رائعة وأداء بديع. وكانت المسرحية التي يلعب فيها ممثّل الكوميديا الفرنسية دنيس بوداليدس دور ريشار الثاني منتظرة جدّاً، إذ إنّها المسرحيّة المؤسسة للمهرجان، إن صحّ التعبير، وأول دور أدّاه جان فيلار في ساحة الشرف عام 1947. وتحت سماء أفينيون في ضوء نار تتقد على الخشبة في حطبة طولها عشرة أمتار، تصخب في هذه المسرحية - العالم وتلتهب الكراهية والجشع والخيانة والحب والمنفى والألم والانكسار. رواية ومسرح وثمّة اتجاه يبدو جليّاً في الأعمال التي قدّمت هذه السنة وهي اعتماد العمل المسرحي على نصوص لم تكتب للمسرح في الأصل، بل هي نصوص أدبية، رابطاً بذلك ربطاً وثيقاً بين الأدب والمسرح. هذا ما يتجسّد في حضور الفنّان المشارك الثاني، الكاتب أوليفي كاديو. فهو، كما يقول، يكتب في الوحدة روايات لا يأبه فيها بغير الكلمة، روايات يتناولها المخرج لودوفيك لاغارد فيجعل منها نصوصاً مسرحيّة يبرع في تقديمها الممثل لوران بواترينو. وقد بدأ هذا التعاون الوثيق بين الكاتب والمخرج منذ سبعة عشر عاماً، وهو يطرح، وفقاً لأوليفي كاديو، صلة النص المسرحي بالنص الروائي وقدرة الأول «على التعبير عن الأكثر انطلاقاً من الأقل». وقدّم المهرجان لأوليفي كاديو مسرحية «عِش لأيّ سبب؟»، وهي تمزج الفيديو بالمسرح وتروي قصة ملك منفِيّ في «شاليه» جبلي مع حاشيته يبحث عن «مستشار للصورة». وتروي المسرحيّة، التي تتأرجح بين الواقعية ومسرح العبث، سلوك الحاشية ومرض الملك... ومدارها كيفية المحافظة على مظاهر السلطة وشعائرها في حين يذهب كل شيء. وهي تذكّر في نبرتها وموضوعها بنصّ «اوبو ملكاً» لألفرد جرّي و «الملك يموت» ليونسكو. أما السرد، فإنه يقفز من شخصية إلى أخرى في نبرة تبدو أقرب الى الهذيان منه الى الكوميديا الساخرة. إلا أنّ العمل المسرحي كما قدّمه لاغارد لا ينجح دائماً في جذب المشاهد إليه ويبدو فاقداً خيطاً جامعاً يجعل من أداء الممثلين أداءً مقنعاً. إلا أن المُشاهد يمكنه التعرّف الى عالم كاديو من خلال مسرحية أخرى أحادية الصوت عنوانها «ماجوس في الصيف» تنقل إلى المسرح نصّاً صدر منذ فترة وجيزة عن دار P.O.L كمعظم نصوص كاديو. كما يمكنه التعرّف إلى هذا العالم مباشرة من خلال ثلاث قراءات لأعمال كاديو يقوم بها كاديو نفسه. وقد جرت القراءة الأولى في ساحة الشرف في القصر البابوي أمام 2000 مشاهد وأحرزت نجاحاً ملحوظاً على رغم صعوبة أداء هذه النصوص ذات النبرة الحميمة في الهواء الطلق أمام جمهور غفير. ونقل المخرج البلجيكي غي كاسيرز إلى المسرح رواية تبدو للوهلة الأولى مستحيلة الأداء وهي «المرء العديم الأوصاف» للكاتب النمسوي روبير موزيل. وغي كاسيرز الذي يمتاز بخيال واسع واحتراف نادر يتابع مساراً مسرحيّاً فريداً يسبر فيه تاريخ أوروبا في القرن العشرين وقد سبق أن نقل إلى المسرح أعمالاً أدبية تبدو مستحيلة الأداء منها «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست و «تحت البركان» لمالكولم لوري، كما نقل إليه سلمان رشدي وتولستوي ودوراس... الخ. والمسرحية التي يقدّمها في أفينيون هي الجزء الأول من ثلاثية لن تتم إلا في عام 2012. ويتوخّى كاسيرز في هذا الجزء الأول عرض جوّ التقهقر الاجتماعي والسياسي الذي كانت تعيشه الإمبراطورية النمسوية - الهنغارية قبل الحرب العالمية الأولى. وإذ عاب بعضهم عليه طول النص المسرحي المنقول، فالجميع أشاد بما لمسرحه من سمات مميّزة حيث يجمع صوراً سينمائية متقنة صنعت خصّيصاً للمسرحية مع أداء دقيق وبعيد الأغوار لممثلين اعتادوا على العمل معه، كما يضيف إلى ذلك استعمالاً بارعاً للصمت. وفي سياق الأعمال الأدبية المنقولة الى المسرح، قدّم القسم الثاني من المهرجان عملاً آخر مأخوذاً من نص أدبي عريق هو «المحاكمة» لفرانتز كافكا التي أخرجها أندرياس كريغنبورغ ذو الأصل الألماني الشرقي إثر دعوة فرقة الكامرشبيل الميونيخية له. وقراءته تحاول الابتعاد من التأويل العبثي اليائس الذي أضفته الستينات والسبعينات على هذا العمل مبرزة الطابع الهزلي المضحك للنص، كما تُعنى القراءة أيضاً بأداء لغة كافكا الموسيقية الغنيّة. وقدّمت أعمال أخرى في المهرجان أخذت من نصوص أدبية، منها «موت آدم» لجان لامبر وايلد و «حديقتي السريّة» المأخوذة من مذكّرات المخرج الألماني البرليني فالك ريشتر. وللنص الأدبي وجود آخر كوحدة مستقلّة من خلال القراءات الكثيرة التي تُقترح على الجمهور في القسم الأخير من المهرجان والتي يقرأ فيها روائيون وأدباء كثر نصوصهم بأنفسهم، واضعين عراء الكلمة على محكّ جمهور واسع. وكان الروائي بيار ميشون في عداد القارئين، إلاّ إنّه اضطر إلى إلغاء قراءته لأسباب صحيّة. رقص وموسيقى ويمتاز المهرجان الرابع والستون هذا بالدور المهم الذي يحتلّه فيه الجسد والأعمال المسرحية الراقصة، فهذه تزيد على الاثني عشر عملاً. وفي عداد الأعمال التي تزاوج بين المسرح والعرض البهلواني والتي تلقّاها الجمهور بحفاوة، نذكر «شوف وشوف» الذي صمّم مَشاهده المخرجان السويسريان زيمارمان ودي برّو وقدّمته فرقة مدينة طنجة للأعمال البهلوانية. فقد توخّت تلك الفرقة المكوّنة من عشرة شبان وفتاتَين أن تخرج عن المشاهد التي ورثتها من تراثها الفني العريق وأن تدخل حلبة الفن المعاصر فتوجهت الى زيمارمان ودي برّو لهذا الغرض. والعمل الذي تقدّمه يستعيد عناصر من عالم المخرجَين الذي يمتاز بشاعريته وبديكوراته المتحرّكة فيصهرها مع ما تقدمه الفرقة البهلوانية فيمزج العرض البهلواني بالغناء والاسكتشات المسرحية القصيرة المستقاة من الحياة اليومية المغربية. وقد استطاع هؤلاء الشبان بالتزامهم الكامل إضفاء روح مرحة على الصالة التي احتفت بهم منذ اللحظات الأولى وتقديم عمل جعله زيمارمان وبرّو حافلاً بالشاعرية وروح النكتة والإنسانية. وهو ينتمي إلى الفن الشعبي بالمعنى النبيل لهذه الكلمة. وتلفت أعمال فرقتي آلان بلاتل وآنّ تيرزا دي كيرسماكر البلجيكيّتين الانتباه، فقد قدّمت هذه الأخيرة بمناسبة عودتها إلى أفينيون التي غابت عنها منذ عام 1992 عملاً راقصاً على أنغام موسيقى من القرون الوسطى لُحّنت وعُزفت، فيما لحنت وعزفت في القصر البابوي في أفينيون في نهاية القرن الرابع عشر. والعمل مجرّدٌ من الديكور والأضواء، شديد الفقر، شديد البساطة، شديد الشاعرية يعتمد على سحر الجسد الراقص ومجده في ضوء المغيب وعلى سحر أنغام الموسيقى القروسطية. والمشاهد الراقصة التي محورها الموت تلتزم فيها الأجساد الأرض - والتراب - ويكثر فيها مشهد الركام الذي يذكّر بالموت الحائم أبداً ثم تتوارى الأجساد في دجن الليل وينتهي العمل الراقص عند غياب آخر شعاع من ضوء النهار. أما آلان بلاتيل فيقدّم، في إطار المهرجان، عملين كأنّهما للوهلة الأولى في تناقض تام. الأول «غاردينيا» أخرجه مع الكاتب والمخرج فرنك فان لاكي، تتخلله مشاهد راقصة قليلة ولا تأتي الرقصة الأولى فيه إلاّ بعد فترة طويلة من بداية العمل المسرحي. والثاني وعنوانه «خارج السياق - تكريماً لبينا بوش» هو عمل راقص صافٍ... لا ديكور ولا أوركسترا فيه بل راقصون على الخشبة في أدنى لباس تقوم المشاهد على براعة رقصهم. إلا أن العَمَلَين، في الحقيقة، يستندان إلى المبدأ الذي أرسته بينا بوش في الرقص المعاصر وهو ان الرقص ليس الرقص فحسب إنما هو كل سلوك لا كلامي يعبّر فيه الجسد. ف «غاردينيا» التي صفّق لها جمهور المشاهدين واقفين تروي قصة تحوّل الذكور إلى إناث كلّ ليلة في ملهى ليلي سيقفل أبوابه بعد 40 سنة من الخدمة والمشهد هو مشهد الليلة الأخيرة. والمسرحية تؤديها على الخشبة الممثلة فانيسا فان دورم مع مجموعة من المثليين والمتحولين جنسياً أعمارهم جميعاً تفوق الستين ومعظمهم ليسوا ممثلين محترفين. و «غاردينيا» اسم الملهى الليلي الذي سيقفل أبوابه في تلك الليلة والمسرحية تروي المرّة الأخيرة تلك. فهي تقدّم العاملين فيه بدايةً لابسين لباسهم الذكوري، وهو زي رمادي لا يميّزه شيء البتة. والمشاهد التي تتوالى هي مشاهد تحوّلهم في الظاهر - في لباسهم - ومن الداخل. والمسرحية التي تنجح منذ اللحظات الأولى في أن تجعل المشاهد يتعاطف مع من يراه على الخشبة تجعله يتساءل عن ماهيّة الهوية والفرق بين المذكر والمؤنث وتقهقر الأجساد مع الزمن والموت المحتّم، فهي تنجح في مخاطبة كل فرد على رغم خصوصيّة أوضاع من تتحدّث عنهم. ولعلّ الفنان الذي أبدع الحدث مطلقاً في أفينيون في هذا المهرجان هي الفنانّة الإسبانية انجليكا ليدل التي تأتي إلى أفينيون للمرّة الأولى. فقد قدّمت عملين أولهما «بيت القوّة» الذي يدوم خمس ساعات يفهم خلالها المشاهد منذ اللحظة الأولى، وبخاصة منذ أن تدخل انجليكا ليدل وتنادي الاوركسترا لتغني بصوت تهتز له حجارة الدير القديمة، غياب الحب عن العالم، يفهم المشاهد أن كل شيء يمكن أن يحدث على الخشبة، فيبقى لاهثاً مسحوراً ومرتجفاً في آن معاً، يرى تتابع المشاهد التي تمزج الوقائع والقصص المتخيّلة لتقول عنف الكائن وقانون الأقوى وإهانة النساء وإذلالهن وغياب الحب بين الكائنات والسباق إلى الموت. والمسرحية توازي بين الإذلال الذي عاشته انجليكا إثر قصة حب بائسة وإهانة النساء وضربهن واغتصابهن وقتلهن في منطقة شيواوا في المكسيك. وتتلاحق فيها المشاهد العنيفة من تجريح الممثلات أنفسهن على الخشبة حتى سيل الدماء وشرب قناني البيرة الواحدة تلو الأخرى ونقل الأثاث وحفر القبور، في بهجة الغضب والتدمير. ثم تلي هذه المشاهد مشاهد أخرى وثائقية تتحدث فيها نساء مكسيكيات مرتعشات مرتعبات عما يعانينه يوميّاً. أما المسرحية الثانية وعنوانها «سنة ريكاردو»، فهي مستوحاة من مسرحية «ريشار الثالث» لشكسبير. وكما شرحت أنجليكا في مؤتمرها الصحافي، فسياقها هو سياق حرب أفغانستان واجتياح العراق وغضب الفنانة مما فعله الثلاثي: بوش وبلير وإزنار. فالمسرحية التي هي أحادية الصوت والتي تؤدي فيها أنجليكا دور ريشار الثالث لهي تأمّل في ماهية الشرّ وازدواجيته وقدرته على النطق بالحق وعلى إغواء البشر وجعلهم يستمعون إليه، بل يتجنّدون له. والمسرح الذي تنتمي إليه انجليكا ليدل يصعب أن تصحّ عليه مقولاتنا التقليدية ويصعب التمييز فيه بين الواقع والخيال، بين الصدق والكذب... إلخ. هو زوبعة جارفة تُسمع فيها صرخة الكائن نحو السماء، غضبه وشقاؤه وأساه وصرخته من أجل الحريّة. وخلاصة، فإن هذا المهرجان الرابع والستين حيث يحتل المسرح الكلاسيكي «القحّ» دوراً محدوداً، مهرجان صاخب يتشعب في اتجاهات عدة يمجّد الجسد والكلمة ويمزج فنون الخشبة سعياً وراء سبل تعبير جديدة غير مألوفة.