ما زلت على قناعة تامة بأن الإدارة العامة للمرور تدور في حلقة مفرغة، ويوماً بعد آخر تزداد هذه القناعة لدي، على رغم اختلاف المسؤولين وتعاقب المديرين فيها.المشكلة الكبرى في «مرورنا العزيز» أنه لا يعرف شيئاً عن «ثقافة الأولويات»، فتجده تارة يهتم بربط حزام الأمان اهتماماً مبالغاً فيه، في الوقت الذي يفقد الناس أرواحهم بسبب تمادي المتهورين في قطع الإشارات المرورية، وكلنا يتذكر ماذا فعل أفراد المرور قبل نحو عشرة أعوام حيال المتهاونين في ربط حزام الأمان.وتارة أخرى تجد نقاط التفتيش الفجائية التي يتم فيها التدقيق على عدم تجديد رخصة السير واستمارة السيارة، بينما تجد المراهقين يصطفون لمشاهدة فيلم سينمائي على الطبيعة اسمه «التفحيط».بالله عليكم أيهم أهم عدم تجديد رخصة قيادة أم وجود مفحطين أصبحنا نضع أيدينا على قلوبنا عند ذكرهم فقط، فما بالكم بمشاهدتهم أو القرب منهم؟إن المتأمل لشوارعنا يلحظ أن خطورتها تزداد، ولا أخفيكم أنني هجرت المسار الأيسر منذ سنوات، في ظل كثرة السيارات التي تفاجئني من الخلف بعنوان: «وخر ولا بأصدمك». أين المرور عنهم؟ بل أين المرور عن هذه الظاهرة؟ نعم إنها ظاهرة واضحة للجميع ما عدا مسؤولي المرور.أيضاً منذ سنوات أحرص أن لا أكون أول من ينطلق إذا أضاءت الإشارة اللون الأخضر حتى لو كنت في المقدمة، كما أعتقد أنه لا توجد لدينا، خصوصاً في الأحياء السكنية، شوارع رئيسية وأخرى فرعية، فالمتهور صاحب «القلب الميت» هو من سيعبر أولاً.العام الماضي كنت أتابع برنامجاً رياضياً على إحدى القنوات الفضائية، وكان البرنامج يستضيف في كل أسبوع أحد اللاعبين الأجانب في الدوري السعودي، والله لقد أصابني الحنق عندما اتفق معظمهم على «في السعودية السائقون يقودون سياراتهم بسرعة عالية». لقد لاحظوا ذلك في فترة وجيزة لا تتجاوز بضعة أشهر. ترى لماذا تراخى المرور؟ مرة أخرى إنها «عدم الاهتمام بثقافة الأولويات»، وإلا ماذا يعني تطبيق المرور قرار مضاعفة قيمة المخالفة المرورية في حال التأخر في سدادها؟السائق ارتكب مخالفة واستحق عليها مخالفة مرورية، إذن لماذا يعاقب مرتين؟ هل ارتكب مخالفة أخرى؟ لماذا لم يفرق مرورنا العزيز بين المخالفات التي تهدد خطراً على الأرواح وتلك التي لا تعدو كونها إجراءات إدارية لا قيمة لها، مثل عدم تجديد رخصة القيادة؟ منذ سنوات ونحن نطالب بأن يتم إيقاع أقوى العقوبات في حق من يفحط ومن يقطع الإشارات الضوئية أو يقود سيارته بسرعة جنونية أو يعاكس حركة السير في الشوارع ولا من مجيب.منذ سنوات والجميع يرى أن الوقوف الخاطئ للسيارات على جانبي الطرق من أهم الأسباب في تعطل حركة السير، ومع ذلك ما زال الوضع كما هو. والمصيبة يترك كل ذلك ويتحول الأمر لدى المسؤولين في المرور إلى مضاعفة قيمة المخالفات والاهتمام بتجديد رخصة السير وربط حزام الأمان.صدقوني لن يتأخر أحد في سداد مخالفة وهو يعلم أن قيمتها ستتضاعف، إلا إذا كان عاجزاً عن سدادها، وبالتالي فالمرور يعاقب السائقين في المرة الثانية بلا سبب وجيه.وعوداً على بدء، فإن الاهتمام بمثل هذه القرارات عديمة الفائدة وترك ما هو أهم، هو في الواقع ما أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن، وهو ما جعل شوارعنا ساحة للحوادث المرورية المميتة، ومن دون مبالغة فإن الحوادث ستستمر، بل وستزداد والاختناقات المرورية ستكون علامة فارقة لمدننا ومحافظاتنا إذا بقيت إدارة المرور على هذه الحال المتردية.