اختتم الديموقراطيون مؤتمرهم في كارولاينا الشمالية أمس، بأجندة اقتصادية وخارجية أكثر وضوحًا وتمايزاً عن الفريق الجمهوري، عرّفها الرئيس باراك أوباما خلال خطاب قبوله الترشيح، ببرنامج اقتصادي موجه للطبقة المتوسطة ومبني على فلسفة تيودور روزفلت، وخارجياً بسياسة براغماتية تحفظ العلاقة الاستراتيجية مع روسيا ولا تتسرع في قرارات الحرب. وأعطى المؤتمر الحزب بعض الزخم قبل أقل من ثمانية أسابيع على التصويت، لكنه اصطدم أمس، بأرقام البطالة وسوق العمل والتي خيبت التطلعات. وتميّز خطاب أوباما في نهاية المؤتمر بنبرة واقعية وأقل عاطفية ومثالية من ذلك الذي قبل فيه الترشح العام 2008. وهيمن الشأن الاقتصادي على الخطاب، وقال الرئيس مخاطباً الأميركيين: «لم أقل قط إن هذه الرحلة ستكون سهلة ولن أعدكم بذلك الآن. نعم طريقنا أصعب لكنه سيؤدي إلى وضع أفضل». وفي هذا إقرار ضمني من أوباما بخيبة أمل شريحة كبيرة من الأميركيين من المسار البطيء لتعافي الاقتصاد الأميركي والذي عكسه التقرير الشهري للوظائف الذي سجل، بخلاف التوقعات ب 130 ألف وظيفة، زيادة 96 ألف وظيفة فقط على سوق العمل الأميركي، لكن في الوقت نفسه سجل انخفاض نسبة البطالة إلى 8.1 في المئة. واستغل المرشح الجمهوري ميت رومني التقرير الاقتصادي لمهاجمة أوباما، مشيرا الى أن «الاحتفالات كانت أمس (في مؤتمر الديموقراطيين) واليوم أتت اليقظة». وحاول أوباما في تجمع انتخابي في ولاية نيوهامبشير التركيز على النمو ولو البطيء للاقتصاد الأميركي، والدفاع عن نهجه «الأصعب في المدى القصير إنما الأفضل على مدى أطول». وذكر الأميركيين بأن لديهم خياراً «إما العودة إلى الوراء»، إلى سياسات الجمهوريين التي «جرت البلاد إلى الحفرة أصلاً»، أو انتخابه و»استكمال العمل على طمس الحفرة». ويحد النمو الاقتصادي البطيء من الزخم الذي حصده أوباما في المؤتمر، وليبقي بذلك المنافسة ساخنة حتى موعد المناظرات بين المرشحين نهاية الشهر. غير أن المؤتمر الديموقراطي نجح في تحديد إطار سياسي، اقتصادي وخارجي واضح للحزب. وسياسياً، كانت المظلة الواسعة لتحالفات الأقليات والشباب والليبيراليين حاضرة بقوة في كارولاينا الشمالية، علماً أن إعادة انتخاب أوباما رهن بإقبالهم على التصويت في 6 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. أما اقتصادياً، فاستعاد أوباما فلسفة روزفلت، والتي ترتكز إلى تعزيز دور الحكومة في حماية الطبقة المتوسطة وتحفظ الضمان الصحي والشيخوخة للأميركيين، كما تفتح الباب لزيادة الضرائب على الأثرياء في مقابل خفضها على أصحاب الدخل المحدود. وتشكل هذه المدرسة التمايز بين الحزبين، مع تأييد الجمهوريين لتدخل حكومي أقل (الحد من برامج الضمان والرعاية الصحية) وإعفاءات ضريبية لكل شرائح المجتمع الأميركي. وسيكون سلاح أوباما الأقوى في تسويق فلسفته، هو تأييد الرئيس السابق بيل كلينتون الذي برع خلال المؤتمر، ويحظى بصدقية كبيرة كونه آخر رئيس وازن الاقتصاد، وسلمه للجمهوريين في العام 2000 بفائض نصف تريليون دولار. وسيتوجه كلينتون مع أوباما الأسبوع المقبل إلى ولايتي فلوريدا وأوهايو الحاسمتين، للدفع بحظوظ الرئيس هناك. أما في السياسة الخارجية فكان خطاب السناتور جون كيري في المؤتمر، الأكثر تعبيراً عن الخط الديموقراطي. إذ هزأ كيري، وهو أبرز المرشحين لتولي حقيبة الخارجية في الولاية الثانية لأوباما، من الثنائي الجمهوري: رومني والمرشح لمنصب نائب الرئيس بول ريان، واعتبرهما «الأقل خبرة في السياسة الخارجية منذ عقود». وتحدث كيري عن استراتيجية أوباما في ليبيا وقتله أسامة بن لادن وإنهاء حرب العراق، ووضع استراتيجية للانسحاب من أفغانستان، كفوارق واضحة مع رومني، الذي لم يذكر في مؤتمره الحرب في أفغانستان. وفي هذا الإطار، انتقد أوباما منافسه الجمهوري ووصف الأخير روسيا ب «العدو الاستراتيجي الأول»، وتعهد الرئيس الديموقراطي نهجاً حذراًَ وبراغماتياً قبل اتخاذ قرارات كبيرة تتعلق بالحرب. وتنتقل الحملة الرئاسية إلى الولايات الحاسمة لتسويق الفريقين خططهم الاقتصادية والاجتماعية. وفيما يستفيد رومني من أرقام النمو البطيئة، سيحاول أوباما التركيز على ضعف رصيد رومني وتصويره بأنه ليس البديل المناسب.