رغم العناء الكبير الذي تكبدته على مدى ثمانية ايام من المشي المكثف، تبتسم فيديريكا سيمونيتو وتلتقط لنفسها صورا لتحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي، فبين التكنولوجيا الحديثة والتقاليد الدينية المتوارثة، يتهافت حجاج القرن الحادي والعشرين بأعداد كبيرة للسير على درب "سانتياغو دي كومبوستيلا" في تقليد يعود الى القرون الوسطى. واوضحت هذه الممرضة الايطالية البالغة 38 عاما خلال التقاطها صورا لنفسها قرب احدى اخر محطات هذه الدرب التاريخية في شمال اسبانيا "التقط صورة او اثنين يوميا وحالما اجد موقعا يمكن الاتصال فيه لاسلكيا بشبكة الانترنت، اقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي". وبعد الام في كاحليها خلال نصف الرحلة المضنية، اجتازت فيديريكا مسافة 200 كلم مع صديقة لها. وقالت مبتسمة "على الرغم من تناولي الادوية اواصل المشي"، والى جانبها يمر عشرات الحجاج الاخرين الذين يستندون الى عصيهم ويحملون مطراتهم وحقائب الظهر التي علقوا عليها المحار المروحي التقليدي. ومثلها، يأتي عدد متزايد من الاجانب بينهم الكثير من الشباب المزودين بأحدث طرازات الهواتف الذكية ويتوجهون سنويا نحو كاتدرائية القديس يعقوب الضخمة. واوضحت اينما تامايو المكلفة استقبال الاشخاص الذين يقومون بالمسيرة في مكتب الحجاج في سانتياغو دي كومبوستيلا ان "الحجاج الاوروبيين يأتون منذ قرون عدة لكننا بتنا نرى تزايدا كبيرا لحضور جنسيات جديدة مثل الكوريين واليابانيين والاميركيين". وارتفع اعداد المشاركين لاكثر من الضعف في قرابة عقد. فبعد ان كانوا 93 الفا و924 شخصا في 2005، بينهم 43.7 في المئة من الاجانب، اصبح العدد 215 الفا و880 شخصا في 2013 بينهم النصف تقريبا (49 في المئة) من الاسبان. ويقول ريويشي فوجيوكا المتقاعد البالغ 64 عاما، "في اليابان، هذه الدرب معروفة جدا". فبعد ان اجتاز 780 كلم من منطقة سان جان بييه دو بور في جنوب غرب فرنسا، وصل للتو الى امام الكاتدرائية التي تضم بحسب المعتقدات المسيحية رفات القديس يعقوب والتي يتبارك منها المؤمنون منذ القرن الحادي عشر. وإذ يمثل الالمان والايطاليون اكثر الوافدين من بين الاجانب، سجل عدد الاميركيين ازديادا كبيرا خصوصا منذ بث فيلم "ذي واي" الذي يتابع خطوات الممثل مارتن شين المولود لاب اسباني من منطقة غاليثيا، على هذه الدرب. وقالت نافا كاسترو المسؤولة السياحية في حكومة غاليثيا ان هذا الفيلم "مثل نقطة تحول". كذلك طرأت تغييرات على دوافع الحجاج للقيام بهذه المسيرة الشاقة، اذ بات كثيرون منهم لا ينطلقون من دوافع دينية بحتة في هذه المغامرة. واوضح خبير معلوماتية كندي كريس دو جونغ الذي يبلغ 28 عاما خلال انتظاره صديقته امام الباحة المقابلة لمكتب الحج للحصول على شهادة "كومبوستيلا" الخاصة بهذه الدرب التقليدية، "اننا هنا من اجل المغامرة ولتحقيق الذات". من ناحيتها اشارت الشابة الكورية الجنوبية اشلي هيكيونغ وهي في الثلاثين من عمرها تعمل في مجال الاعلانات "كنت اشعر بالتعب بسبب عملي وافكر بالمغادرة وكنت بحاجة للتفكير". ووصلت هذه الشابة منهكة الى نزل ريباديسو الواقع على بعد حوالى 40 كلم من سانتياغو دي كومبوستيلا على الطريق الفرنسية، وهي الاقدم من بين المسارات السبعة لهذه الرحلة والاكثر استخداما من جانب الحجاج، مضيفة "كنت بحاجة الى مكان استطيع فيه استكشاف نفسي واكتشاف امور مجهولة بالنسبة الي". ويستقبل نزل ريباديسو المشيد بين الجدران الصخرية لمستشفى قديم للحجاج من القرن الثالث عشر، 62 نزيلا يتركون على ابوابه احذيتهم الخاصة بالمشي للاستراحة بعد تعب المحطات الطويلة التي يمتد كل منها ل20 او 30 كلم بين الحقول والغابات والمزارع والمدن. واوضحت المسؤولة عن النزل دولوريس اغرا انه "في السابق، كان الحاج ينام في الحظائر، في الكنائس، تحت سقيفة وكان يستحم في الانهر". اما اليوم "باتوا يسألون اذا ما كان لدينا اتصال لاسلكي بالانترنت"، وذلك في صالة ملأى بالهواتف المحمولة المتصلة بالمنافذ الكهربائية لشحن بطارياتها قبل الانتقال الى المرحلة التالية.