بعد تأجيله العام الماضي ضمن تأجيل نشاطات ثقافية وفنية أخرى في مصر بسبب الاضطراب الأمني مع اندلاع ثورة كانون الثاني (يناير)، قرر وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب عودة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي واستكمال الفنان عزت أبو عوف رئاسته المهرجان في دورته ال35 في الفترة من 27 تشرين الثاني (نوفمبر) و6 كانون الأول (ديسمبر) المقبلين. وأوضح وزير الثقافة في بيان أن الوزارة ستنظم المهرجان وترعاه بالاتفاق مع غرفة صناعة السينما، مع تأكيد الاستعانة بشخصيات لها خبرة سابقة في إدارة أعمال المهرجان هذا العام نظراً إلى ضيق الوقت. وشهدت إدارة المهرجان نزاعاً عندما قرر وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي إلغاء دورة العام الماضي، ما جعل اسم المهرجان تحت التهديد بسحب الشارة الدولية منه، إذ تنص قوانين الاتحاد الدولي للمنتجين والسينمائيين، على سحب شارة أي مهرجان، في حال إلغاء دورتين متتابعتين منه، ولذلك تقرر عودة المهرجان للانعقاد هذا العام. وبعد مشاورات مع الجهاز القومي، اتفق الرئيس السابق للمركز القومي للسينما المخرج مجدي أحمد علي، مع الوزير، على طرح مناقصة بين الجمعيات والمؤسسات الفنية، لتنظيم المهرجان، وحينها تقدم رئيس جمعية مهرجان القاهرة الناقد يوسف شريف رزق الله، بتنظيم المهرجان، وكانت المؤسسة في ذلك الوقت، لا تزال تحت التأسيس. وبالفعل تم إرساء المناقصة على يوسف شريف رزق الله، لتنظيم المهرجان. ولكن وبمجرد الإعلان عن نتيجة المناقصة، قام ممدوح الليثي، بصفته رئيس جمعية نقاد وكتاب السينما، برفع دعوى قضائية على وزارة الثقافة، لإبطال نتيجة المناقصة، مستنداً إلى أن مؤسسة مهرجان القاهرة التي يترأسها يوسف شريف رزق الله، لا تزال تحت التأسيس. وصدر الحكم لمصلحة ممدوح الليثي بأحقيته في تنظيم المهرجان. إلا أن قرار الاتحاد الدولي للمنتجين والسينمائيين، المنوط بهذه القرارات، قرر في اجتماعه على هامش الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» إسناد مسؤولية تنظيم المهرجان إلى يوسف شريف رزق الله، ليقرر وزير الثقافة تشكيل لجنة، للتنظيم، من داخل وزارة الثقافة، مثلما كان يحدث في عهد وزير الثقافة السابق فاروق حسني. مؤهلون وأوضح يوسف شريف رزق الله في مؤتمر صحافي للرد على قرار وزارة الثقافة الحالي، أن وزير الثقافة السابق عماد أبو غازي أصدر قراراً بأحقية أي مؤسسة في إدارة المهرجانات وتنظيمه وذلك عبر تقديم ملفاتها وانطباق شروط التنظيم عليها ونحن كمؤسسة قدمنا كل المستندات والملفات التي تثبت جدارتنا بتنظيم هذا الحدث وحتى بعد ظهور بعض المشكلات وفتح باب التقديم مرة أخرى كنا نحن الوحيدين المؤهلين للتنظيم بلا منافس. وأضاف: «المهرجان يتطلب 12 مليون جنيه تمويلاً، لم نجد مما تبقى من الموازنات السابقة الخاصة بالمهرجان في صندوق التنمية الثقافية سوى 2 مليون جنيه فقط، بينما تم صرف البقية كمرتبات ومكافآت، ونحن في الواقع لدينا عجز 7 ملايين جنيه، لذلك نحاول طلب الدعم من وكالات الدعاية والإعلان العالمية». وأوضح رزق الله أنه تم إنجاز ما نسبته 70 في المئة تقريباً من أعمال المهرجان، وجرى الاتفاق مع دول العالم التي تشارك بأفلامها. وأوضحت المخرجة هالة خليل أحد أعضاء مؤسسة جمعية «مهرجان القاهرة»، قائلة: «عندما عرض الناقد يوسف شريف رزق الله عليّ العمل في المؤسسة، وافقت على الفور حيث عملنا على مدار 14 شهراً لتقديم نموذج مشرف للدورة ال35 للمهرجان. ولقد صدمت بعد قرارات الوزير». واقترح المخرج مجدي أحمد علي أن تنظم المؤسسة مهرجانات بدعم من منظمات المجتمع المدنى. وكانت نقابة السينمائيين المصرية برئاسة مسعد فودة أصدرت بياناً أوضحت فيه أن هناك محاولات مستميتة لإبعاد مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي عن تنظيم المهرجان في دورته التي تنطلق 27 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مؤكداً دعم النقابة الكامل للمؤسسة التي أنهت أكثر من 85 في المئة من فاعليات تلك الدورة، وطالب البيان وزير الثقافة باتخاذ الإجراءات القانونية والمادية والأدبية التي تتيح للمؤسسة إقامة المهرجان وتنظيمه، ورفض الدعوات التي تطالب باستمرار احتكار الدولة الأنشطة الثقافية بعد الثورة، مطالبين بدعم مؤسسات المجتمع المدني لتؤدي دورها الثقافي محلياً ودولياً. إنقاذ ما... وكان وزير الثقافة أوضح أن الوزارة تدخلت لإنقاذ المهرجان بسبب النزاع بين المؤسسة برئاسة يوسف شريف رزق الله والجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما برئاسة ممدوح الليثي، والتي وصلت بهما إلى القضاء. من جهة أخرى، كان الرئيس الأسبق للمركز القومي للسينما المخرج مجدي أحمد علي، أعرب أيضاً عن غضبه من موقف وزارة الثقافة تجاه أزمة مهرجان القاهرة السينمائي والقضية التي رفعها ممدوح الليثي، إذ أكد أن الوزارة رضخت لمحاولات الابتزاز، وأنه بعد اجتماعه بوزير الثقافة أصبح يشعر بالقلق على المهرجان. وقال مجدي أحمد علي: «فوجئت بموقف وزارة الثقافة وعدم مساندتها المركز القومي للسينما وجمعية مهرجان القاهرة التي كان تم إسناد إدارة الدورة المقبلة لها، حين اجتمعت بوزير الثقافة، وفوجئت أن الوزارة تعتزم إدارة المهرجان بنفسها، وأنها تراجعت عن إسناد المهرجان لجمعية القاهرة السينمائي التي يترأسها يوسف شريف رزق الله». وأكد أحمد علي أنه كان يجب على وزارة الثقافة أن تساند الجمعية، موضحاً أن ممدوح الليثي حاول الترويج في وسائل الإعلام أنه كسب القضية التي رفعها ضد الوزارة، وهو غير صحيح، إذ إنه كان يطلب في القضية أن تتولى جمعية كتاب ونقاد السينما إدارة المهرجان، ولكن منطوق الحكم يؤكد أنه لم يتم ذلك، بل طلبت المحكمة أن يتم إصدار إعلان لكي تتقدم الجمعيات الأهلية لتنظيم المهرجان. وأكد الفنان عمرو واكد في حسابه على «تويتر»، أن النزاع المحلي حول تنظيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يضر بمصلحة مصر، ويطيح مركز المهرجان العالمي وسط منافسيه، وأمل بالوصول إلى موقف يتراضى فيه الجميع «من أجل مصر وفنها»، محذراً من إلغاء دورة هذا العام مرة أخرى. وأشار إلى أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، هو المهرجان العربي الوحيد، المصنف درجة أولى، وهي درجة فنية ذات قيمة عالمية، مشيراً إلى أن ما يحدث حالياً سيضر هذا التصنيف، خصوصاً أن المهرجانات العالمية المصنفة بالتصنيف ذاته، لا تتعدى 12 مهرجاناً. وبدأ مهرجان القاهرة فاعلياته بعد حرب أكتوبر بثلاث سنوات، في 16 آب (أغسطس) 1976 على أيدي الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين برئاسة كمال الملاخ، الذي نجح في إدارة المهرجان لمدة سبع سنوات حتى عام 1983، ثم شكلت بعد ذلك بعامين، لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ضمت أعضاء الجمعية واتحاد نقابات الفنانين للإشراف على المهرجان، الذي تولى مسؤوليته الأديب سعد الدين وهبة، واحتل مهرجان القاهرة خلال هذه الفترة مكانة عالمية. وأورد تقرير الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين عام 1990 أهم ثلاثة مهرجانات للعواصم، فجاء مهرجان القاهرة السينمائي في المركز الثاني بعد مهرجان لندن السينمائي، بينما جاء مهرجان ستوكهولم في المركز الثالث. وبعد رحيل سعد الدين وهبة تولى الفنان حسين فهمي رئاسة المهرجان لمدة أربع سنوات من عام 1998 حتى عام 2001، إلى أن تولى إدارته شريف الشوباشي حتى عام 2005 ليرأسه بعد ذلك الفنان الدكتور عزت أبو عوف والفنان عمر الشريف كرئيس شرف خلال الدورتين الماضيتين.