بين صعود نجم التيار الإسلامي في مصر عقب ثورة يناير، وفوز محمد مرسي بلقب رئيس مصر، لم يخف صنّاع السينما في مصر قلقهم وتخوفاتهم من فرض رقابة على حرية الإبداع وتقليص عدد المهرجانات السينمائية التي تحتضنها أم الدنيا. لكن هذه المخاوف تبددت إلى حد ما، خصوصاً بعدما نظمت وزارة الثقافة المصرية مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في شباط (فبراير) الماضي، ثم مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة بمشاركة 40 دولة وأكثر من مئة فيلم وندوات وورش عمل، ليتبقى على جدول الوزارة تنظيم ثلاثة مهرجانات أخرى خلال الأشهر المقبلة، أولها مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، ثم مهرجان الغردقة للسينما الآسيوية، ومهرجان السينما المصرية- الأوروبية في الأقصر. وفي المقابل، لم يتقرر في شكل نهائي مصير مهرجان القاهرة الدولي. وتشارك مصر للمرة الأولى في الدورة 28 لمهرجان الإسكندرية، الذي يقام خلال الفترة من 12 إلى 19 أيلول (سبتمبر) المقبل برئاسة الدكتور وليد سيف، بفيلمين داخل المسابقة، حيث يشهد المهرجان مشاركة 16 دولة من دول البحر المتوسط ب18 فيلماً في المسابقة الرسمية تمثل غالبية الدول المتوسطية المنتجة للسينما. فتشارك تركيا بفيلمين، الأول «لا تنسيني يا إسطنبول» وهو أشبه بمقاطع من قصيدة عشق في حب المدينة الجميلة. أما الثاني فعنوانه «الثعبان» وهو تجربة شديدة الندرة والأهمية في مجال الصورة والشخصية، وهو فيلم تدور أحداثه في بيئة مميزة وأجواء مختلفة وعبر دراما شديدة الإحكام وعميقة التأثير. ومن فرنسا يأتي فيلم «على الشاطئ» وهو بسايكودراما تدور في إطار تشويقي حول شرطي كبير يمر بحالة من عدم التوازن والإحباط، يسعى للحصول على إجازة مرضية ويهجر امرأته ويهيم على وجهه... وتبدأ الأحداث الفعلية حين يتأكد من موت امرأة في شرفتها بملابس السباحة، ويقوم بالإبلاغ عنها بزعم أنه يعرفها... فهل يريد أن يكشف عن أسرار مقتلها أم أنه يعرفها بالفعل وهي سبب مأساته؟ لن نتأكد إلا في المشهد الأخير الرائع الذي يقفز فيه الى البحر خلف رماد جسدها ليشعر بملمسها وإحساسه بذراتها وهي تتغلغل في كيانه وكأنه يراقصها... فهل كان هو بالفعل من يذوب في أحضانها على الشاطئ؟ مشاركات مغربية وتنافس المغرب بقوة أيضاً عبر «أندرومان من دم وفحم» من إخراج عز العرب العلوي، وهو عن فتاة تعيش في ملابس الرجال بأمر والدها الذي تعاني من قسوته حين يلمح منها أي مظهر أنثوي... تتكشف الحقيقة على مهل وتتضح المأساة بأسلوب درامي بليغ. ولدى الجار الجزائري أيضاً فيلم شديد الرهافة والإنسانية بعنوان «قداش تحبني؟» للمخرجة فاطمة الزهراء زموم، وهو عنوان باللهجة الجزائرية يعني «كم تحبني؟». والفيلم عن ذكريات صبي خلال فترة انفصال الأم عن الأب وإقامته مع جدّه وجدّته، حيث لقاء بين عالمين يفصلهما الزمن ولكن يجمعهما التعاطف والحب. أما فيلم «العدو» فهو من روائع الإنتاج المشترك بين كرواتيا والبوسنة وصربيا، وهو يدور في أجواء ما بعد الهدنة وآثار الحرب من قلب المواقع العسكرية وفرق الكشف عن الألغام وتقسيم الحدود. تتجلى من خلاله صور مدهشة للحياة والمشاعر الإنسانية على رغم الأجواء العسكرية... وهو يتميز بصورة سينمائية رائعة ولغة فيلمية متقدمة وأداء تمثيلي حي ومتمكن. وينتمي فيلم «الصمت المتجمد» الإسباني الى الأعمال الكبيرة بكل ما تعنيه الكلمة إنتاجيّاً وفكريّاً. وأحداثه تعود إلى عام 1943 حيث الجنرال فرانكو يبعث فرقة عسكرية إلى روسيا مهمتها مساعدة هتلر في القضاء على الشيوعية، ولكن الجيش الأحمر يتصدى في عناد ومقاومة مستمرة. الى هذا، تقيم جمعية بيت السينما برئاسة الناقد السينمائي الأمير أباظة خلال الفترة من 24 إلى 30 أكتوبر المقبل مهرجان الغردقة للسينما الآسيوية، حيث سيعرض 6 أفلام للمخرج الياباني الراحل كوروساوا ضمن فعاليات المهرجان في برنامج خاص تنظمه إدارة المهرجان بالتعاون مع مؤسسة اليابان في القاهرة. وأوضح مدير المهرجان محمد قناوي، أن قائمة الأفلام جميعها مأخوذة عن روايات عالمية. وهي تضم «عرش الدماء» المأخوذة عن رواية «ماكبث» شكسبير، و «درسو أوزالا» عن نصّ للروسي فلاديمير ارسينيف، و «الأبله» لدوستويفسكي و «الحضيض» لمكسيم غوركي، و «ران» المأخوذة عن رواية «الملك لير» لشكسبير، وأخيراً فيلم «أحلام» المأخوذ عن «سوناتا شكسبير». وأوضح رئيس المهرجان شريف جاد أن هذا المهرجان هو أول مهرجان يقام في مصر للسينما الآسيوية، وتتشارك في فعالياته حوالى 17 دولة و50 فيلماً روائياً قصيراً... وسيتم خلاله تكريم مجموعة من الفنانين المصريين والآسيويين، ويتم عرض 15 فيلماً من كل الدول الآسيوية. ومن ناحيته، يقام مهرجان السينما المصرية- الأوروبية في محافظة الأقصر في الفترة من 17 إلى 22 (أيلول) سبتمبر المقبل، وستحل بريطانيا ضيف شرف المهرجان، وستتم دعوة الكثير من الفنانين المصريين والأوروبيين ومنهم الفنان العالمي عمر الشريف للاحتفال بمرور 60 عاماً على عرض فيلم «صراع في النيل» الذي تم تصويره في الأقصر. كما تم توجيه الدعوة الى الفنان محمد منير لإحياء حفل الختام، فضلاً عن الكثير من الفرق الفنية العالمية ونماذج مصرية مشرفة، قدمت نجاحات عالمية في مجالات فنية مختلفة. ... ومهرجان القاهرة؟ من جهة أخرى، ينتظر كثيرون من السينمائيين والمهتمين بالمهرجانات الفنية حلاً لأزمة مهرجان القاهرة السينمائي، عقب الحكم لصالح رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما ممدوح الليثي ضد وزارة الثقافة، ممثلة بالمركز القومي للسينما، بعد إعطاء الأخيرة حق تنظيم المهرجان لجمعية «مهرجان القاهرة» التي يرأسها يوسف شريف رزق الله، حيث قضت بوقف تنفيذ قرار الوزارة، وألزمت المحكمة وزارة الثقافة بإعادة الإعلان عن إسناد إدارة المهرجان بين الجمعيات المتخصصة، وفقاً لشروط ومعايير شفافة. ويأتي الانتظار عقب الوعود المطمئنة التي أطلقها المخرج مجدي أحمد على، رئيس المركز القومي للسينما للسينمائيين والإعلاميين، وتأكيده أن المهرجان سيقام في موعده هذا العام، ولن يسمح بتأجيله مهما كلفه الأمر، وذلك حفاظاً على سمعة مصر ومهرجانها السينمائي الدولي، وخوفاً من إلغاء صفته الدولية، لأن «أي تأجيل للمهرجان سيؤدي إلى خروجه من مجموعة المهرجانات السينمائية الدولية، خصوصاً أنه تم تأجيله العام الماضي بسبب الأحداث التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير». وردّ رئيس المركز القومي للسينما خلال مؤتمر صحافي على قرار القضاء الإداري، الذي يعتبر أن جمعية مهرجان القاهرة السينمائي ليست مشهرة، مؤكداً أن موقف الجمعية القانوني سليم، وأن الجمعية مشهرة وقانونية، وكانت هناك معايير وضعت بدقة وموضوعية شديدة لاختيار أفرادها، وتم الاختيار بقرار من مجلس الإدارة المكون من 9 أفراد، وأن هناك إعلاناً تم نشره لتقديم طلبات تنظيم المهرجان. ويبقي السؤال، هل سيدوم الحال خلال السنوات المقبلة أم أن دوام الحال من المحال؟