على رغم تداعيات أزمة الديون المستمرة في «منطقة اليورو»، يرى خبراء ورجال اقتصاد ومال ألمان وأجانب أن الاقتصاد الألماني لا يزال يظهر ثقة في النفس وصموداً غير عاديين، وإن كانت توقعات النمو للناتج القومي السنوي للعام الحالي لن تتجاوز الواحد في المئة في أحسن الأحوال، في مقابل 3 في المئة سجلت في العام الماضي، و3,7 في المئة في العام السابق. وأظهرت دراستان أجراهما معهدان للبحوث الاقتصادية في ألمانيا، نشرت خلاصتهما النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن «غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية»، أن قطاعات عدة من الاقتصاد الألماني تتوقع استمرار التحسّن في أعمالها، على رغم الفروقات الموجودة في استنتاجات المعهدين. وأفاد معهد الاقتصاد الألماني «إي في»، بعد استطلاع أجراه مع 46 اتحاداً ونقابة لأرباب العمل الألمان، بأن 26 منهم يتوقعون زيادة في الإنتاج خلال العام الحالي في القطاعات التي يعملون فيها، وبأن تسعة قطاعات اقتصادية تتوقع مبيعات مستقرة، و11 منها تتوقع تراجعاً، وينظر قطاع واحد فقط هو قطاع المصارف، بصورة متشائمة إلى المستقبل. وأوضح مدير المعهد ميشال هوتر أن نصف هيئات القطاعات الألمانية أقر بأن الأجواء الإيجابية في شركاته تراجعت العام الماضي، نتيجة انخفاض النمو الاقتصادي العالمي وتداعيات أزمة اليورو، لكن أضاف أن النصف الآخر متفائل بالعام الحالي. وأشار إلى أن سوق العمل الألمانية لا تنتظر نتائج سلبية، كما يعتقد ممثلو 31 هيئة قطاعية، مشيرين إلى أن البطالة ستبقى مستقرة نسبياً في حدود ثلاثة ملايين شخص، علماً أن ثمانية قطاعات أكدت أنها ستصرف جزءاً من عمالها، في مقابل سبعة أعلنت أنها ستشغل عمالاً إضافيين. معدل النمو أما المعهد الألماني لبحوث الاقتصاد «دي إي في» في برلين، فتوقع في دراسة تحليلية ضموراً شديداً في نمو الاقتصاد الألماني في الربع الأول من العام الحالي، على أن يعود ليشهد تحسناً، ولو بطيئاً، ابتداء من منتصف العام ويحقق في نهايته نمواً يبلغ 0,6 في المئة، على أن يتسارع التحسّن في عام 2013 ليسجل معدل نمو يبلغ 2,2 في المئة. وأوضح كبير خبراء النمو في المعهد فرديناند فيتشر، أن شرط الوصول إلى ذلك هو تمكّن السياسيين من السيطرة على أزمة الديون في «منطقة اليورو»، وإلا فإن تداعيات الأزمة ستصيب الاقتصاد الألماني بشدّة. ويتوافق تفاؤل عدد كبير من الشركات الألمانية مع تقديرات كبار الخبراء الاقتصاديين، مثل فولفغانغ فرانتس، رئيس مجلس حكماء الاقتصاد الألماني الذي يقدم مشورة إلى الحكومة. وهو استبعد نمواً يزيد على 0,5 في المئة هذه السنة، وكذلك أي ركود اقتصادي، مؤكداً أن الشركات الألمانية لا تعاني متاعب، ومُطمئناً إلى أن الطلب على الصناعة الألمانية أفضل من المعدل الوسطي الذي عرفته البلاد في السنوات الأخيرة. وبدوره، رأى وزير الاقتصاد الألماني فيليب روسلر أن وضع الاقتصاد الألماني «جيّد على رغم الوضع العام غير المناسب في أوروبا وعالمياً». وتابع «الاستهلاك الداخلي لا يزال يدعم النمو المحلي»، ما يقدم أفضل دعم للاقتصاد في فصل الشتاء الصعب. ولفت خبير في مؤسسة الاستشارات «بي سي جي» إلى أن شركات عدة «تعتقد أن الوضع أفضل من الأجواء السائدة»، لكن من ناحية أخرى ثمة خبراء يرون أن ألمانيا لن تشهد نمواً، ولو متواضعاً، هذه السنة إنما تراجعاً في الناتج السنوي بنسبة تتراوح بين 0,1 في المئة سلباً، وفقاً لتوقعات معهد «إي إم كا» الاقتصادي لبحوث النمو، و0,3 في المئة سلباً وفقاً لمصرف «إتش إس بي سي» الأوروبي. وفي المقابل، يتوقع البنك المركزي الألماني نمواً يبلغ 0,6 نهاية العام الحالي والحكومة الألمانية نمواً يبلغ 0.75 في المئة ومؤسسة «كيل إيكونوميكس» للبحوث 1,2 في المئة.