انعكست العقوبات الغربية المفروضة على روسيا سلباً على اقتصادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول حليفة لها على خلفية الأزمة في أوكرانيا، بخسارتها سوقاً ضخمة لصادراتها، إذ ردت روسيا على هذه العقوبات بتحوّلها إلى دول أخرى لاستيراد حاجاتها الغذائية. واستدعى هذا التأثير تأكيد المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، أن أزمة أوكرانيا «تلقي ظلالها على ألمانيا» أكبر اقتصاد في أوروبا، التي تعرضت لانكماش مفاجئ بنسبة 0.2 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي. وأوضحت أن موسم الشتاء الذي «جاء معتدلاً على نحو غير معتاد ساهم في البيانات الضعيفة للربع الثاني» (بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو)، لكن أكدت أن أزمة أوكرانيا «تؤثر أيضاً على النمو الألماني». ورأت خلال مؤتمر صحافي مشترك عقدته مع رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، أن الوضع الأوكراني- الروسي عموماً «يكشف أن لنا مصلحة كبيرة في عودة العلاقات العالمية إلى وضع بناء مرة أخرى». وعلى رغم ذلك توقعت أن «يكون معدل النمو السنوي جيداً عموماً ما لم يحدث أمر خطير». وترجح الحكومة الألمانية نمو الاقتصاد بنسبة 1.8 في المئة هذه السنة. ورداً على العقوبات، قررت روسيا السماح باستيراد منتجات الألبان من ثلاث شركات تركية، وفق ما أعلنت هيئة الصحة البيطرية والنباتية الروسية، بعدما حظرت موسكو شراء معظم المنتجات الغذائية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ورفع النبأ أسهم «بينار» إحدى الشركات التركية الثلاث، 7.9 في المئة إلى 1.6 ليرة في إسطنبول، في مؤشر ملموس هو الأول على استفادة تركيا من حظر الواردات. يُذكر أن روسيا كانت حظرت واردات غذائية قيمتها نحو 9 بلايين دولار من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والنروج مطلع آب (أغسطس) الحالي، رداً على عقوبات تجارية لدورها في أزمة أوكرانيا. ويبدو أن تركيا ودول في أميركا اللاتينية مثل البرازيل، هي الأوفر حظاً للاستفادة من الحظر الذي فرضه الكرملين لمدة سنة على واردات الألبان واللحوم والأسماك والفواكه والخضر. وتوقع المسؤولون الأتراك ارتفاع صادراتهم إلى روسيا من الفواكه والخضر الى مثليها تقريباً. وتُعدّ تركيا خامس أكبر مصدر للمواد الغذائية إلى روسيا بمبيعات بلغت 1.68 بليون دولار العام الماضي. وأعلنت هيئة الصحة البيطرية الروسية في بيان على موقعها الإلكتروني، «السماح بالاستيراد من «بينار» و «يونيلفر» للصناعة والتجارة التركية (الجيدا) و «إيناس» للصناعات الغذائية والتجارة. ولفت وزير الاقتصاد الروسي أليكسي أوليوكاييف في مقالة نشرت في صحيفة «فيدوموستي» أمس، إلى أن قاعدة مالية «تمنع روسيا من زيادة الإنفاق الحكومي بل تنسجم مع حقائق قديمة»، مؤكداً ضرورة «تخفيفها». وتربط روسيا الإنفاق الحكومي بأسعار النفط في المدى الطويل، وتفرض سقفاً على الاقتراض عند واحد في المئة من الناتج المحلي. لكن هذا النظام يواجه انتقادات في وقت ربما ينزلق الاقتصاد إلى الركود، تحت وطأة العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا. وشدد أوليوكاييف على أن تلك الآلية «لم تعد تناسبنا في شكل كامل»، وقال: «حرمنا أنفسنا من فرص لتنشيط الاقتصاد من طريق السياسة المالية في وقت كنا على حافة الركود، إذ كان من الضروري حينها اتخاذ إجراءات تهدف إلى تخفيف التداعيات السلبية لتصاعد التوترات الجيوسياسية». ويُعدّ مقال أوليوكاييف الأحدث في السجال الدائر بين أنصار السياسة المالية المحافظة بقيادة وزير المال أنطون سيلوانوف ومسؤولين مثل أوليوكاييف يدعون إلى سياسة مالية أكثر مرونة كأداة لتعزيز النمو الاقتصادي. وكانت بيانات رسمية صدرت الجمعة الماضي، أظهرت انكماش الاقتصاد على أساس سنوي في تموز (يوليو) وحزيران (يونيو) الماضيين. في وقت يتزامن التباطؤ مع ازدياد نزوح رؤوس الأموال وتراجع الاستثمار، ما عزاه المحللون إلى الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية.