لا يملك أي مواطن لديه ذرة من الغيرة على وطنه إلا الشعور بالألم والأسى أمام انتشار وسهولة ممارسة التخوين والإقصاء وانتشار العنصرية البغيضة بين أفراد المجتمع السعودي التي يقرأ عنها ويتابعها في بعض مواقع التواصل الاجتماعي. أتى «تويتر»، آخر المواقع وأكثرها انتشاراً، ليكشف لنا ما كان بعضه مستوراً. هذا يتهم ذاك بالعمالة للخارج، وهذا يتهم ذاك بمحاربة الدين والدولة القائمة عليه، يخرج فجأة من يطعن في انتماء فلان الوطني بسبب اسم العائلة الذي يحمله، ثم يتجدد الجدل حول بؤرة «الخضيري» بلا «أصل»، والقبيلي الذي يحمل كل «الأصول»، هذا رافضي، وذاك ناصبي، إلى آخر هذه الاسطوانات المشروخة. لكن كيف يحدث كل هذا في مملكتنا الحبيبة الفتية؟ كيف أصبحت هذه المشاهد ظاهرة للعيان وفي هذا العصر، إلى درجة تقبلنا لها، مع الأسف، ولو على مضض؟ ومن العادة أن يتقبل الشخص أي شيء حتى ولو كان مرضاً ويتعايش معه. بالمناسبة نحن لا نتكلم عن ظاهرة لا توجد عند غيرنا، نحن لسنا بمعزل عن العالم، نعم، عانى غيرنا من هذه الشرور لكن الفرق أن ذلك تم منذ عقود وتم القضاء عليه. في الولاياتالمتحدة الأميركية، التي هي في الأصل مجموعة من المهاجرين الذين أتوا من كل حدب وصوب، على سبيل المثال، لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فمنذ الستينات وتلك البلاد تعاني من انتشار الطبقية والعنصرية، وبمقارنة نسبية، كما نعاني منه اليوم. أقدمت الحكومة تحت الضغط من مؤسسات المجتمع المدني على سن التشريعات الصارمة التي تضع هذه الممارسات في صف الجرائم التي يعاقب عليها القانون، ومع الجدية في التطبيق والمرونة الكافية لديهم في تطوير الأنظمة أصبح مجرد النطق بكلمة «نقر» لأي مواطن أسود جريمة. طبيعي أن تستغل مراكز القوى اليهودية هذه البيئة، فضغطوا على استصدار قوانين ما يُسمى بمعاداة السامية، وكلنا يعرف ماذا تعني، وكيف أصبح الطعن بالعرق اليهودي جريمة عالمية؟ في نهاية المطاف تم حفظ الكرامة والحقوق وانطلقوا نحو البناء والتفوق. في السعودية لم يعد لدينا المزيد من إحسان الظن، ولم يعد لدينا المزيد من الوقت في ظل ما نشاهده من استغلال الأعداء لهذا المشهد، إن الأوان آن لتكريس وحدة الوطن وصيانة كرامة مواطنيه من كل عرق ولون، ولن يتحقق لنا ذلك إلا بإصدار التشريعات الخاصة بمكافحة التمييز العنصري والعرقي والمذهبي. عندما وحد المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز هذه البلاد لم يضع في وصيته مثل هذا التمييز، ولم يأمر أحداً بإقصاء أحد بناء على قبيلة أو طائفة أو مذهب أو لون، بل وحتى في عصر الخلافة الراشدة لم يكن عمر بن الخطاب «رضي الله عنه» صامتاً عن أي ممارسة كهذه مع اتساع المجتمع الإسلامي وتعدد أطيافه، والقصص في الأثر لا تُعد ولا تُحصى في هذا المجال. من هنا نريد من الدولة تأسيس الأنظمة القوية الواضحة التي تقف ضد أي محاولة فردية أو جماعية لصدع الوحدة الوطنية، نطالب بسن قوانين محددة للإرهاب توضح بكل جلاء ما قد يكون غامضاً من لحن الكلام، كمن قد يتلون في عبارات ومواقف رمادية، وما دام الشيء بالشيء يذكر فدولتنا ومجتمعنا يحتاج أيضاً إلى الإسراع في الإعلان عن مدونة الأحوال الشخصية التي يتوقع منها وضع حد لتلاعب البعض بحقوق البعض الآخر، نحتاج إلى إنهاء الجدل القائم حول حق المرأة في قيادة السيارة الذي يسبب لنا الكثير والكثير من المواقف المحرجة بالفعل، نتمنى أن تنتقل مثل هذه المراسيم والأوامر السامية إلى أروقة القضاء ليختصم أمامها المواطن المهان «الضحية» بكل نزاهة وعدل. كيف يمكننا بالله أن نؤسس وطن الغد لملايين المقبلين من الأجيال من دون أن نضع حداً لمثل هذه الأمور القبيحة المتخلفة التي أصبحت مواجهتها من البدهيات في أي مجتمع في هذا العصر؟ كيف يمكننا أن ننتقل إلى زمن البناء والإبداع والإنتاج والتنافس والتنمية البشرية المثالية وهذه القضايا جاثمة فوق صدورنا ويتناقل سوأتها الصغار من دون علم؟ إن إغفالنا تجريم هذه الممارسات، بل وحتى ترددنا في الوقوف أمامها بحزم وعن طريق سلطة وهيبة القوانين هو بحد ذاته خطأ لا يغتفر وسينقم علينا بسببه الأبناء والأحفاد، علينا في النهاية أن نتساءل: هل تحقق نمو وازدهار اقتصادي ومجتمع متكامل يعلو الإنسان في قمته في أي مكان مع غياب مثل هذه القوانين؟ بالطبع لا ولن يتحقق. * كاتب سعودي. [email protected] F_Deghaither@