«انفجرت القاعة بصيحات الانتصار والدموع والسعادة الغامرة داخل القاعة المسؤولة على التحكم بكريوسيتي، بعد لحظات فقط من نجاح العملية وبعد حبس للأنفاس لمدة تزيد عن ساعتين وظلت الاحتفالات حتى عشر دقائق تقريباً، وبعدها عاد الجميع إلى العمل فوراً، نظراً لوجود مهمة جديدة لهم وهي تهيئة كريوسيتي للعمل على بيئة المريخ وأيضاً التأكد من عمل جميع أجهزة ووظائف «الروبوت» المختلفة والتأكد من سلامتها». هذا ما جاء في أحد المواقع الإخبارية التي تتابع عملية إرسال «الروبوت» إلى كوكب المريخ. للعلم فقط فإن تكلفة هذه الرحلة قد تجاوزت 2.5 بليون دولار أميركي. «يعتبر كريوسيتي أكبر وأغلى مركبة آلية تصل إلى المريخ حيث منذ العقدين الماضيين استمرت «ناسا» في إرسال مركبات آلية للكوكب، ولكن جميعها كانت صغيرة الحجم ولن تصل إلى حجم كريوسيتي أو حتى تكلفته، جدير بالذكر أن إحدى المركبات الآلية السابقة استطاعت أن تستكشف وجود انهار جليدية تحت قشرة سطح المريخ، وتمكنت أيضاً من اكتشاف بقايا بكتيرية، مما قد يؤكد وجود حياة في الماضي على الكوكب، أو ربما وجود حياة حاليا». ما سر هذا التفوق العلمي المذهل لدى الغرب؟ ما السر في تخلف الأقوام الأخرى ونحن مع الأسف على رأس هذه القائمة؟ أسئلة في غاية الأهمية ويجب تناولها من منطلقات عدة تهم مستقبل الوطن والمجتمع. غير انه لا يمكن بالطبع الإجابة عليها في مقال، ومن شخص غير متخصص في علوم الاجتماع والتنمية والإدارة. الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أن همومهم في الغرب شيء وهمومنا شيء آخر مختلف تماماً. الذي أعرفه أننا ومن بين العديد من العوامل والمظاهر الأخرى المتعددة، نتصارع يومياً في جدل لا ينتهي حول أمور لا تؤدي إلا إلى الصدع في وحدتنا الوطنية. ليس أقرب من هذا المثال، ففي الوقت الذي يترقب العالم ملامسة «الروبوت» للمريخ كنا نناقش مقولة «أحدهم» هنا رداً على سؤال بأنه لا يجوز نقل الكلية من هذا الشخص إلى الشخص الآخر المختلف عنه مذهبياً. وليت الموضوع يتوقف عند هذه المقولة السخيفة الخاوية. المصيبة أنه ينتقل إلى النخب والمنتديات والحوارات ويصبح مادة دسمة. إن مما يدمي القلب لدى أي مواطن غيور انتشار استخدامنا في العقدين الماضيين للألقاب والمفردات المذهبية والطائفية العفنة وبشكل غير مسبوق. مفردات (وأقسم بربي العظيم على هذا القول) إنني لم أسمع بها في نشأتي في هذا البلد الفتي الذي كان مجتمعه طاهراً بعيداً عن هذا الزيف. في زمن الستينات للمرحلة الابتدائية والسبعينات للثانوية والجامعة لم نكن نردد ما نردده اليوم من نبذ بالألقاب وتشكيك بالوطنية وازدراء للعرق. السؤال: ما الذي عصف بنا؟ من خطفنا من تلك البراءة والعفة والوجهة السليمة ووضعنا في هذه الحاوية القذرة؟ بل كيف يمكننا الخروج منها بعد أكثر من 30 عاماً من التمرغ في وحلها، هذا إن تمكنا بالفعل من ذلك؟ الذي لا بد من أن ندركه أن تكريس الطائفية والمذهبية وتخوين كل طرف للطرف الآخر إنما يعني بأبسط تفسير شرخ الوحدة الوطنية في المملكة العربية السعودية وسواء أتى ذلك متلحفاً بأسباب دينية أو قبلية أو أي سبب آخر. والذي لا بد من أن ندركه أيضاً أن مصيرنا في المستقبل القريب مرهون بنجاحنا في الانتقال من هذه الدهاليز الضيقة إلى فضاء الإبداع الخلاق والإنتاج في ظلال الوحدة الوطنية التي أسسها الراحل الكبير عبدالعزيز رحمه الله. لكن ذلك لن يتحقق والجهات المسؤولة اليوم تقف متفرجة على ما يحدث. الجهات المسؤولة مع الأسف تتحمل مسؤولية غياب القوانين الرادعة التي تجرم وتحاكم أي فرد يتناول طعن الوحدة الوطنية. وما دام أي فرد منا يشعر بالأمان وهو يقدح ويقذف بأخيه المواطن من دون حساب أو عقاب فإن الوضع لن يتغير. والأخطر أن البعض ممن لا يحمل أي مشاعر ودية تجاه المملكة سيستغل هذا التهاون لزرع الشقاق وتحطيم المجتمع مستقبلاً. كنت أتوقع أن تنظر الجهات الحكومية إلى مثل هذه السلوكيات الخطرة نظرتها إلى التكفير والإرهاب. لم لا والنتيجة واحدة بكل تأكيد وإن تفاوتت نسبياً في تأثيرها الزمني؟ ليتنا نفعل، ليت الحكومة تضع حداً لهذه السلوكيات البذيئة. ليتنا نحتفل مع العالم في العلوم وفي الأولمبياد وفي كل النجاحات التي تتحقق كل يوم بدلاً من هذه العيش في هذه القوقعة التي تهوي بنا إلى الأسفل من دون أن نشعر. * كاتب سعودي. [email protected] @F_Deghaither