«العالم قرية صغيرة»! ربما لم تعد هذه العبارة في حاجة لكثير من النقاش، إذ ثمة توافق واسع بصددها، لا يقلّل من شأنه وجود معترض، لسبب أو لآخر. ولكن ماذا لو تأمّلنا عالمنا العربي، وبحثنا عن هذه القرية الصغيرة، وقصصها؟ ماذا لو وقفنا على حافة الموسم الدرامي؛ حكواتي العصر، وهو يقترب من نهايته، هذه السنة، وتساءلنا: إلى أيّ درجة شاهد بعضنا بعضاً، وتلمّسنا حكاياتنا، وتعرّفنا إلى صورنا، وسمعنا أصواتنا؟ على اتساع الوطن العربي، وغناه بتنوّعه، وتعدّد ألوانه ولهجاته وحكاياته وإبداعاته، سيبدو الحاصل أن المشاهد العربي، في بلد ما، قلّ أن شاهد دراما من بلد آخر. دعك من سطوة الدراما المصرية، القادرة بسهولة على تجاوز الحدود، بحكم تاريخيتها وتراثها ومنجزها، مدعومةً بما لا يُعدّ من أسباب ومؤهلات. ولا تتوقّف كثيراً عند الدراما السورية، التي استطاعت أن تكون موازية إن لم نقل منافسةً للمصرية، في قدرتها على تجاوز الحدود، والوصول إلى قطاعات واسعة من المشاهدين العرب! ولكن ماذا عن الدراما العربية التي نعتقد أنها لم تُرَ في الشكل اللائق والمناسب؟ ماذا عن الدراما العراقية والمغربية والتونسية والسودانية واللبنانية، وغيرها في أكثر من بلد عربي؟ وماذا عن الدراما الخليجية، من عُمان إلى الكويت، مروراً بالإمارات والسعودية؟ من يمكن أن يقول إنها شوهدت، في غير محليتها، وبعيداً من حدودها القطرية؟ تنغلق الشاشات العربية على ذاتها، أو تكاد. تقتات بالمُنجز الدرامي المحلي، في غالبية الحصة المخصصة للبثّ الدرامي فيها، وقلَّ أن تنتبه إلى تخصيص أنصبة ممنوحة لبلدان عربية شقيقة، تستحق الالتفات إلى دراماها، ليس فقط تلبيةً لوازع من نزعة عروبية فقط، وليس كذلك لأنه بات ثمة عمالات عربية واسعة، منتشرة في كثير من البلدان العربية، هؤلاء الذين نقتنع بأنهم يستحقون أن يروا دراماهم وحكاياتهم ونجومهم... بل على الأقل بحثاً عن صورة أخرى، جديدة وثريّة وممتعة. وفي هذا المجال، يمكننا استذكار تجربة التلفزيون العربي السوري، في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، حيث عمد في شكل دوريّ إلى تخصيص حصص بثّ محددة للدرامات العربية، فإضافة إلى الدراما السورية والمصرية المستمرة الحضور، أمكن المشاهد السوري حينها متابعة مسلسلات تونسية وجزائرية ومغربية، فضلاً عن الأردنية والسعودية والعراقية، وغيرها... رويداً رويداً، بدأ المشاهد التآلف مع تلك الأعمال التي بدت جديدةً وغريبةً للوهلة الأولى، لكنه سرعان ما بدأ يكتشف فيها عوالم جاذبة، ممتعة، تزيده معرفةً، واقتراباً، وإحساساً بالانتماء للآخر، الذي بات يراه، ويسمع لهجته ويتابع حكاياته وقصصه ويعرف أمكنته وبيئته. تستطيع الدراما بناء تلك الجسور، التي عادةً ما تدمّرها السياسة، ويقطعها الخلاف. ونعتقد أنه لو أتيح المجال للدراما، من بلدان عربية شتى، ومُنحت فرصةً للوصول، لأمكن هذا العالم العربي أن يصير قرية صغيرة، فعلاً.