يقول مسؤول القبو، وهو يغمس بدقة شريطاً ورقياً رقيقاً في قارورة: «هذه الجوهرة! شيبر من إنتاج كوتي عام 1917»، في إشارة إلى أحد «العطور الفاخرة الشهيرة» في «الأوزموتيمك» (أوزمو تعني العطر والتيك الصندوق أو مكان الايداع) قرب باريس. هناك تُحفظ، منذ 25 سنة، كنوز العطور العالمية التي اختفى بعضها الآن. وإلى جانب قارورة «شيبر»، نجد عطر «لو» لملكة المجر (القرن الرابع عشر) و «لو دو لوبان» (1798) وعطر الكولونيا الذي استخدمه نابليون في جزيرة القديسة هيلانة (1815) و «لا فوجير رويال» من إنتاج أوبيغان (1994) وعطر «كريب دو شين» الشهير من إنتاج ميو (1925). الحرارة هنا 13 درجة مئوية، والأنوار اصطناعية، فيما تصطف مئات القوارير المصنفة وفق عائلة العطور التي تنتمي إليها في قبو من بضعة أمتار مربعة تُفضي إليه أبواب مصفّحة. وقلّة من غير الخبراء يمكنها دخول هذا المكان الفريد من نوعه في العالم، والواقع على مرمى حجر من قصر فرساي، داخل «المعهد الدولي العالي للعطور ومساحيق التجميل والعطور الغذائية». يوضح إيف تانفي، الخبير السابق في العطور والمسؤول عن القبو: «إنها جواهرنا... 2500 مرجع من بينها 400 نميّزها بعناية خاصة لأنها عطور اختفت أو لم تعد تسوق الآن، وتمكنّا من إعادة إنتاج 175 منها بفضل وصفاتها الأصلية». ويولي تانفي كنوزه «عناية فائقة»، ومعه الخبير المتقاعد في هذا المجال جان كيرليو الذي كان «أنَّفَ» دار باتو خلال 33 سنة. وأسس «الأوزموتيك» التي دُشّنت عام 1990 وترأسها باتريسيا دي نيكولاي سليلة عائلة «غيرلان» المعروفة في عالم العطور ومستحضرات التجميل. ويشرف عدد محدود من الأشخاص المنتقين يومياً على حفظ العطور في شكل جيد، وعلى 200 حقيبة من العينات التي تجوب العالم عند الطلب. و «الأوزموتيك» التي لا تسوق لأي عطر بعينه، تستقبل الجمهور العريض خلال مؤتمرات عن مجموعة مختارة من العطور. وفي مطلع الصيف، تمكن محبّو العطور من اكتشاف تلك المنتجة بين عامي 1945 و1965 في دور وورث وباتو ولولون ومولينو ولانفان وبيغيه وروشاس وبالانسياغا وفاث وريتشي وكارفن وديور. كما تعرفوا إلى مصمميها، ومن بينهم جيرمان سيلييه التي «ألّفت» عدداً منها، لا سيما «فان فير» من دار بيار بالمان. وجهد جان كيرليو لإنجاز مشروعه الذي ينال إعجاب الخبراء والهواة في العالم. فبمساعدة أصدقاء، أنشأ «قاعدة معطيات شمّية»، واكتشف وصفات قديمة تستخدم مواد نادرة اختفت هي أيضاً أو باتت محظورة. ويوضح: «هذه هي الحال مع الزبادة ذات الرائحة الحيوانية القوية جداً، أو صباغ حبوب المسك من التيبت وهو منتج أساسي يدخل في تركيبة الكثير من العطور القديمة، ومن دونه لما أنتجت دار شانيل أي عطر شهير». ويضيف: «هذا بيانو العطار»، مشيراً إلى صفوف من القوارير الصغيرة المصفوفة مثل لوحة مفاتيح البيانو، في قاعة تحوي الكثير من القطع والآلات، والخزائن التي تضم طحلب السنديان والزنجبيل والكاوشير ولبان جاوة والبتشولي والخالدة. ونجح جان كيرليو في سعيه إلى الكمال، إذ أنجز أمراً شبه مستحيل. إذ تمكّن، بطلب من مؤرخة وبالتعاون مع خبير أعشاب، أن يعيد تشكيل عطر «بارفان روايل» (العطر الملكي) الموصوف في القرن الأول للميلاد، والمؤلف خصوصاً من القرفة والكمّون وعسل الأقاقيا وزيت الأبنوس.