باتت الشبكة العنكبوتية في «تصيدها» لما يجري على الشاشات الصغيرة، عنصراً حاسماً في تقرير أهمية حدث ما، فإما أن يمر مرور الكرام أو تسعى الشبكة للتركيز عليه وإعادته إلى الواجهة. ينسحب ذلك على ما يستحق وما لا يستحق، وهكذا كانت، خلال الشهر الجاري، أحداث بعينها على الشاشات الفرنسية محط انتباه وتعليقات مواقع عدة. في نشرة منتصف النهار على المحطة الفرنسية «فرانس 2» وفي حوار مع غيرلان رجل العطور الفرنسي الشهير، رد الضيف بعبارة لم تنتبه لها محاورته فتركتها تعبر من دون تعليق، ومرت أيام قبل أن يلتفت لها أحد، ما عدا الشبكة. إلى أن جاء تصريح من مذيعة راديو فرانس أنتير، وهي من غوادلوب، استنكرت فيه مرور عطلة نهاية الأسبوع من دون أن تحتج أية شخصية سياسية أو إعلامية على ما جرى. والذي جرى أن غيرلان وفي جواب على سؤال عن كيفية ابتكاره العطر الشهير «سمسرا»، قال «لمرةٍ، شرعت بالعمل كزنجي، لا أدري إن كان الزنوج يعملون حقاً على هذا النحو...». واستخدم كلمة Négre ذات المدلول الشديد السلبية في فرنسا لإحالتها إلى العبودية. تفاعل قضية مساء اليوم ذاته، أصدر الرجل السبعيني بياناً أعرب فيه عن «ندمه الشديد» وقال إن كلماته لا تعكس بأي شكل تفكيره الحقيقي ولكنها «زلة لسان أتت خارج السياق»، كما أعلنت مقدمة النشرة الإخبارية اعتذارها على موقع الانترنت للمحطة لأنها لم تردّ في حينه، معيدة السبب إلى عدم سماعها للعبارة قائلة: «كنت قفزت من مقعدي لو كنت قد سمعت». ومرت أيام لم تظهر خلالها القضية إلى الواجهة. ربما لأن همّ الفرنسيين كان في ذلك الوقت منصباً على قضايا أكثر مصيرية: التظاهر، تأمين الوقود للسيارة، أو الركض في محطات المترو والقطار لتدبير وسيلة نقل ما، وربما كذلك لأن البعض اعتبرها فعلاً زلة لسان اعتذر الرجل عنها بل وندم. لكن، حيث لا ينفع الندم. فالإفصاح عن العنصرية بعبارات واضحة لا يسكت عليه في فرنسا. جاء استنكار مذيعة الراديو بعد أيام على الانترنت، ومن ثم جاء الأهم حين أعلن المجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا عن توجيهه إنذاراً ل «فرانس 2» يتعلق «بأقوال عنصرية» وردت ضمن الساعة الإخبارية على لسان جان بول غيرلان، مؤسس الدار الشهيرة للعطور. وبدأت القضية بالتفاعل. فأصدرت الدار، التي خشيت على صورتها وأيضاً على مبيعاتها، بياناً أعلنت فيه أن المتحدث ليس من أعضائها واستنكرت أقواله «غير المقبولة» وعباراته التي لا تتفق «وقيم الدار التي تشجع على تنوع المواهب لكل الأعراق». كما احتجت منظمات مناهضة للعنصرية ورفعت إحداها دعوى ضد الرجل. وعاود التلفزيون الفرنسي بعد تلقيه إنذار المجلس الأعلى، اهتمامه بالقضية بعد أن اُعتبر تبرير المذيعة لعدم الرد الفوري على غيرلان غير كاف. ولذلك فبعد أسبوع بالضبط وفي البرنامج نفسه قدمت مذيعة «فرانس 2» اعتذاراً إضافياً وقالت إن عبارات كتلك «ليس لها مكان على أثير التلفزيون الفرنسي». فهل ستتوقف الأمور عند هذا الحد أم تتفاعل من جديد؟ كله بأمر الشبكة! مكان للمرأة وتعرض مذيع النشرة الإخبارية الأهم على «فرانس 2» (نشرة الثامنة مساء) دافيد بو جاداس إلى هجوم، اعتبره « تجاوزاً»، من قبل رئيس حزب اليسار الفرنسي الذي وصفه «بالتابع» المسخر لخدمة أسياده و «بالقذر». وأطلق ميلنشون في فيديو نشر على الانترنت، هذا الوصف على المذيع بسبب سؤال طرحه هذا الأخير على زعيم نقابي حول إغلاق مصنع بعد أشهر من الخلاف بين الإدارة والنقابيين «هل تشعرون بالندم على هذا العنف وهل النتيجة تبرر الوسيلة»؟ أما عرابة برامج تلفزيون الواقع ومديرة برامجه على TF1 المحطة الفرنسية الأولى، فقد أعلنت عن رفضها مشروع عنوانه «الأسبوع الذي تغادر فيه الزوجات» والذي يبدي كيفية تصرف الرجال في البيت بعد ذهاب نسائهن. ووصفت المشروع بأنه «ذكوري» ويعطي صورة سلبية عن المرأة حين يسعى لإبداء أهميتها في البيت، وهو ما يحمل في رأيها نظرة معادية للمرأة! ولم تسلم مديرة برامج تلفزيون الواقع من التعليقات الساخرة على الشبكة، وكتبت إحداهن بأن «إظهار الجنس والكلمات غير اللائقة على TF1 أكثر ربحية من إبداء مكانة المرأة في الحياة الحقيقية»، كما تساءلت أخرى إن كان «إظهار فتيات سطحيات يلبسن كالعاهرات في «قصة سرية» (البرنامج الشهير لتلفزيون الواقع على TF1) يعطي صورة حسنة عن المرأة». يذكر أن «فرانس 2» اشترت حقوق هذا المشروع واكتفت لتبرير قبولها بالتصريح: «لا تصفيات فيه ولا تصوير لمدة 24 ساعة ولا حبس لأفراده في مكان واحد».