في مطلع عام 2004، استقبل كوكب المريخ زائرين جديدين، كل منهما جيولوجي، وكيماوي، مستكشف بارع، عالم مناخ، ومصوّر محترف. منذ وصولهما، بدأ هذان الزائران التجوال في الكوكب الأحمر، بحثاً عن ماء ومعادن، وسعياً لإستطلاع التركيب الجيولوجي للمريخ. هذان الزائران هما عربتان آليتان (روبوتان) تابعتان لبرنامج في «وكالة الفضاء والطيران الأميركية» («ناسا») اسمه «عربات استكشاف المريخ» Mars Exploration Rovers، واختصاراً MER («مير»). حملت العربة - الروبوت الأولى اسم «سبيريت». وأُطلقت في 10 حزيران (يونيو) 2003، وهبطت على المريخ في 4 كانون الثاني (يناير) 2004، في «حفرة غوسيف» (قطرها 170 كيلومترا)، يعتقد أنها بحيرة جفّت قبل ملايين السنين. أُطلقت الثانية («أبورتشونيتي») في 7 تموز (يوليو) 2003، وحطّت في 24 كانون الثاني (يناير) 2004. 7 سنوات غير عجاف بعد اسبوعين ونصف السنة من وصولها إلى المريخ، أعلن مشغّلو «شبكة الإتّصال بعمق الفضاء» Deep Space Network، التابعة ل «مختبر الدفع النفّاث» في «ناسا»، عن انقطاع الإتّصال مع «سبيريت». وتبيّن ان السبب هو خلل في برمجة إحدى وحدات الذاكرة في الكومبيوتر الذي يديرها. وتوجّب على فريق تشغيل «سبيريت» من الارض، إعادة برمجة هذه الوحدة بصبر. وعادت العربة للعمل في 5 شباط (فبراير). وفي 23 آذار (مارس) 2004، أعلنت ال «ناسا» عن التوصّل الى اكتشافات أساسية عن حتمية وجود الماء على المريخ، في زمن غابر. وفي آذار (مارس) 2006، عانت «سبيريت» أول إخفاقاتها، إذ تعطّلت إحدى عجلاتها الستة. فصارت تسير «إلى الوراء» تجرّ خلفها عجلتها المعطّلة. وتابعت العربة طريقها في هضبة «ماك كول». ثم انتهى الربيع المشمس في هذا الموقع، وتراجع مستوى الطاقة الكهربائية المنتجة من الألواح الشمسية في «سبيريت»، فباتت لا تكفي سوى لحماية الكومبيوتر وأجهزة الإتّصال من التجمّد في الشتاء المريخي القارس. ونامت العربة كالأفعى، بانتظار الربيع التالي. وفي تموز (يوليو) 2007، هبّت عواصف غبار في المريخ، فحجبت نور الشمس عن ألواح الطاقة، فتوّقفت «سبيريت» و «أبورتشونيتي» موقّتاً. وتخوّف مهندسو «ناسا» من تعطلّهما إلى الأبد. ثم انتهت العواصف. وعاد الروبوتان للعمل. مُدّدت مهمة العربتين للمرة الخامسة. ونزلت «سبيريت» الى الجهة الثانية للهضبة، على رغم اضطراب سيرها. وفي آيار (مايو) 2009 وصلت إلى منطقة تعرّضت عجلاتها فيها للغرق في أرض غبارية ناعمة. كلما حاول فريق التشغيل تحريك عجلاتها لإنقاذها، تزايدت ورطتها. واستقرّت العربة في مكانها نهائياً. في رمال هذا الموقع، اكتشفت «سبيريت» مشتقات مُكوّنة من مادة الكربون. وتزايد تراكم الغبار على ألواحها الشمسية فضعفت طاقتها، في شتاء المريخ الذي وصلت حرارته إلى قرابة 130 درجة تحت الصفر. وفي غياب الطاقة اللازمة لتدفئة الأجهزة الإلكترونية الحساسة فيها، دخلت «سبيريت» في سبات عميق، بانتظار الربيع التالي. ولتسعة شهور متواصلة، حاول فريق التشغيل إعادة العربة الى العمل. وصنعوا عربة توأماً لها كي تحاكي ظروف «سبيريت» على المريخ. ولم يفلحوا في التوصّل إلى حلّ مناسب. وفي مطلع 2010، أعلنت «ناسا» إنتهاء مهمة «سبيريت» كعربة استكشاف، وتحويلها الى منصة علمية ثابتة. وبقيت «سبيريت» على السمع حتى 22 آذار 2010، حين توقفت عن الاستجابة لإشارات فريق التشغيل. واستعان الفريق ب «شبكة الإتّصال بعمق الفضاء»، ثم بمركبتين تدوران حول المريخ، بهدف إعادة الإتّصال مع «سبيريت». ولم ينجح الأمر. بعد مئات من محاولات الإتّصال غير المجدية، اعتبر «مختبر الدفع النفّاث» أخيراً، أن «سبيريت» هي في حال تعطّل دائم، أو ربما غيبوبة طويلة، مشيراً إلى أنها عملت طوال 6 سنوات وشهرين و19 يوماً على سطح المريخ، ما يفوق المدّة المتوقّعة أصلاً لإستمراريتها، بقرابة 25 ضعفاً. رثاء لعربتي الكوكب الأحمر في رسالة إلى فريق التشغيل، ذكّر جون كالاس، مدير برنامج «عربات إكتشاف المريخ»، بإنجازات «سبيريت» قائلا ً: «على مدار سبع سنوات، كانت «سبيريت» في سفر إضافي، بل أدّت مهمات تفوق ما رُسِم لها في مهمتها الأصلية. لقد آن الأوان أخيراً لنشكرها ونودّعها... إن الإعلان عن وضع «سبيريت» خارج الخدمة ليس أمراً بسيطاً. وقد أخذنا هذا القرار بعد 1200 إشارة إنقاذ وتحريك أرسلت إليها، لكنها لم تستجب لأي منها... علينا ألا ننسى أن «سبيريت» أعطتنا أكثر مما طلبنا منها. إذ صُممت للبقاء على تواصل مع الأرض لمدة ثلاثة شهور، ولتقطع مسافة 600 متر على سطح المريخ. لكنها استمرت في العمل لأكثر من ست سنوات، وقطعت قرابة 7700 متر، وأرسلت أكثر من 124 ألف صورة. والأكثر أهمية من هذه الأرقام، أن «سبيريت» استطاعت تحقيق مجموعة كبيرة من الإنجازات العلمية المهمة بالنسبة الى علوم الفضاء ومغامرة اكتشاف الكون». وتابع كالاس قائلاً: «إنها عربة واجهت منذ هبوطها تحديات مستمرة، وكان عليها أن تحارب أمام كل اكتشاف، إذ تفحّصت عدداً من الحفر النيزكية الكبيرة. والتفّت حول آلاف صخور الكوكب الأحمر. وتفحّصت أنواعاً من التربة المريخية سعياً لإكتشاف المعادن التي قد تكون مخبأة فيها. وصوّرت غروب الشمس على المريخ وهبوب العواصف الغبارية. ورصدت قمري المريخ «فوبوس» و «ديموس» في دورانهما حول ذلك الكوكب. والتقطت للمرة الأولى، صورة الأرض كما تبدو في ليل كوكب سيّار آخر في مجموعتنا الشمسية. لقد تسلقت «سبيريت» التلال، على رغم أنها لم تكن مصمّمة أبداً لهذا الأمر. وإذ أنجزت هذه المهمة، استطاعت العثور على أول دليل حاسم عن تفاعل صخور المريخ مع ماء كان موجوداً في القدم، إضافة إلى اكتشاف تفاعلات كربونية قديمة. لقد أخبرتنا «سبيريت» أن المريخ كان يوماً ما، كوكباً سيّاراً يشبه الأرض. إذ تمتع الكوكب الأحمر في زمن غبار، بالمياه وبفصولٍ دافئة، كان يمكن لها أن تحتضن الحياة لو تسنى لها الإستمرار... لقد مهّدت «سبيريت» الأرض أمامنا للقيام بالمزيد من أجل اكتشاف الكوكب الأحمر، ولفهم أنفسنا وموقعنا في الكون. بفضل هذه العربة - الروبوت، لم يعد المريخ كوكباً غريباً مجهولاً وبعيداً، بل صار هذا الكوكب جارنا فعلياً. فشكراً يا «سبيريت». حسناً فعلتِ أيتها العربة الصغيرة». في هذه الأثناء، تتابع «أبورتشونيتي»، وهي المركبة - الروبوت التوأم ل «سبيريت»، سيرها بين هضاب المريخ ووهاده، إذ ما زالت أجهزتها كافة تعمل بشكل جيد. ومنذ هبوطها على سطح المريخ عام 2004، قطعت العربة قرابة 30 كيلومتراً. وقد تتابع سيرها وعملها الإستكشافي، لسنوات طويلة قادمة. «لم نحلم قط بهذه المكافاة حين بدأت المهمة». بهذه الكلمات وصف كالاس شعوره حيال إستمرار العربة - الروبوت «أبورتشونيتي» بالعمل. لكنه حذّر من أن المريخ مكان خطر، وأن العربة «أبورتشونيتي» لم تعد في عزّ شبابها فربما تعلق شباك عاصفة غبارية في أية لحظة، وكذلك الحال بالنسبة الى إمكان وقوعها في مطبّ رملي، أو توقفها عن العمل تلقائياً بسبب تخطيها الفترة المفترضة لعملها. وإذا تحقّق أي من هذه الإحتمالات القاتمة، وذلك أمر لا بد من أن يحصل يوماً ما، فلسوف تلاقي «أبورتشونيتي» مصير أختها «سبيريت». وحينها، تتحوّل هيكلاً صامتاً، بل نصباً تذكارياً عن الإنجازات والحظ والذكاء وآلاف الكيلومترات الإضافية على سطح الكوكب الأحمر، وكلها أمور يسيرة في مغامرة اكتشاف الإنسان للكون. أهداف برنامج «مير» حمّل العلماء المشرفون على برنامج «عربات استكشاف المريخ» (يُعرف باسمه المختصر «مير») عربتي استكشاف المريخ، معدّات علمية متطوّرة تنسجم مع الأهداف المناطة بهما، التي تشمل: البحث في صخور المريخ وتربته عن آثار تدلّ على نشاط مائي في حقب غابرة. تحديد توزيع المعادن وأنواع الصخور وتركيب التربة، خصوصاً قرب موقعي هبوط المركبتين. تحديد العمليات الجيولوجية التي أعطت بعض أماكن المريخ أشكالها وتركيبها كيماوياً، مثل الاحتكاك مع المياه، التآكل بسبب الرياح، آليات التفاعل مع الحرارة والماء، تدفق الحمم البركانية وترسّبها، آثار سقوط النيازك وغيرها. إجراء قياسات دقيقة لأمكنة معيّنة على المريخ، سبق تحديدها بواسطة المكوك «أوربيتر ريكونيسنس» Orbiter Reconnaissance، المثبّت في مدار محدّد حول المريخ. البحث عن صخور تحتوي أوكسيد الحديد، ورصد تفاعلات بعض المواد الأخرى، خصوصاً الكربون. البحث في المعطيات الجيولوجية عن الظروف المناخية التي سمحت بوجود المياه على المريخ في زمن سحيق، واستشكاف ما إذا كانت تلك الظروف تسمح بظهور شكل من أشكال الحياة على الكوكب الأحمر. وانطلاقاً من معطيات عربتي «أبورتشينتي» و «سبيريت»، تعتزم ال «ناسا» إطلاق رحلات مشابهة في العقدين المقبلين، لإنجاز مهمات تتصل بالتأكد من وجود أشكال حيّة في المريخ، في زمن ماضٍ. وبعدها، يبدأ البحث بتحديد إذا كان المريخ عرف بيئة صالحة للحياة في أي وقت. إذ تتطلّب الحياة كما يعرفها البشر، وجود الماء. ولذا، يُشكّل تاريخ وجود الماء على المريخ أمراً حاسماً في فهم بيئة المريخ وعلاقتها باحتمال وجود حياة عليها سابقاً. وعلى رغم أن هاتين العربتين ليستا مجهزتين لالتقاط إشاراتٍ من الأشكال الحيّة، إلا أنهما قدمتّا معلوماتٍ مهمة عن قابلية بيئة المريخ لاستضافة المياه خلال تاريخ قديم في الكوكب الأحمر. كرونولوجيا استكشاف الكوكب الأحمر 1962: انطلقت مركبة روسية للهبوط على سطح الكوكب الأحمر، ولكن فشل نظام التوجيه فيها أفشل مهمتها وهوت متحطمة إلى الأرض في 1963. 1964: انطلقت مركبة روسية في مهمة مماثلة لسابقتها، وفقدت الاتصال بالأرض. 1964: انطلقت المركبة الأميركية «مارينر 6» ووصلت إلى المريخ في 14 تموز (يوليو) 1965 وكانت أول مركبة فضائية تصل إلى مدار كوكب المريخ. 1969: دارت مركبة أميركية أخرى حول المريخ، وأرسلت 126 صورة. 1971 : حلقت مركبة روسية حول المريخ، وأرسلت بيانات حول الغلاف الجوي للكوكب والجاذبية ودرجات الحرارة، ولكنها لم تنجح في الهبوط على سطحه بسبب خلل في نظام المكابح الصاروخية. وتحطمت المركبة ولم ترسل معلومات. 1971 : دارت مركبة روسية حول المريخ، كما نجحت في الهبوط على سطح الكوكب بسلام إلا أن خللاً وقع بعد عشرين ثانية اسفر عن توقف الأجهزة عن العمل ولم ترسل أية إشارات، عزا مسؤولو المهمة السبب إلى هبوب عاصفة رملية كبيرة وقت هبوط المركبة عطلت أجهزتها. 1971: وصلت مركبة أميركية إلى المريخ لالتقاط صور للكوكب وقمري فوبوس وديموس، وأرسلت تلك المركبة ما يزيد عن 7.300 صورة سمحت بتكوين خريطة للكوكب. 1973 : فشلت مركبة روسية في الدوران حول المريخ، بسبب فشل في نظام الحاسوب فيها، لكنها تمكنت من إرسال مجموعة من الصور والبيانات عن طبقة الأيونوسفير في الغلاف الجوي للمريخ. 1973 : وصلت مركبة روسية إلى مدار حول الكوكب الأحمر، ثم تعطّلت. 1974 : هبطت مركبة روسية على سطح المريخ وأرسلت بيانات عن الغلاف الجوي للمريخ ثم انقطع الاتصال معها. 1974: فشلت مركبة روسية في الاقتراب من المريخ، وما زالت تدور داخل النظام الشمسي! 1976: هبطت المركبتان الأميركيتان «فايكنغ -1» و«فايكنغ-2» على المريخ وأرسلتا صوراً غزيرة، مع بيانات تفصيلية عن الرياح وسرعتها واتجاهاته ودرجة حرارة سطح الكوكب، وبيانات عن التحليل الكيميائي والفيزيائي لسطح الكوكب. 1988: هبطت المركبة الروسية «فوبوس 1» على سطح المريخ، وسرعان ما تعطّلت أجهزتها. 1989: هبطت المركبة الروسية «فوبوس 2» على المريخ وجمعت بيانات عن الشمس، والقمر فوبوس والمريخ. وتعطّلت أجهزتها بعد وقت قصير من ذلك الهبوط. 1993: فشلت المركبة الأميركية «سيرفر» في إتخاذ مدار حول المريخ، بسبب عطل مفاجئ في أجهزتها. 1997 : هبطت المركبة الأميركية «مارس غلوبال سيرفيور» على المريخ. ورسمت خريطة عالية الوضوح لمعالم سطحه، وجمعت معلومات عن طبوغرافيا المريخ وجاذبيته. 1997: هبطت المركبة الأميركية «مارس باثفايندر» على سطح المريخ وأطلقت مركبة للتجوّل على سطحه. وأرسلت صوراً وبيانات عن المريخ، إضافة إلى تحليلات لتربة الكوكب الأحمر وصخوره. 2001 : اتخذت المركبة الأميركية «ديب مارس» مداراً حول الكوكب الأحمر، ورصدت مستوى الإشعاعات الخطيرة على سطحه، والتي قد تؤثر على البشر. 2003: دارت المركبة اليابانية « نوزومي» حول المريخ، ودرست غلافه الجوي وتفاعلاته مع رياح الشمس. 2003: اتخذت المركبة الأوروبية «مارس اكسبرس» مداراً حول المريخ. وأطلقت المسبار «بيغيل 2» الذي تحطّم أثناء هبوطه على الكوكب الأحمر. وما زالت «مارس اكسبرس» تحلق في ذلك المدار. 2004: المركبة الأميركية «مارس روفرز سبيريت روفر» تصل إلى المريخ وتتجوّل على سطحه. وتلتها «مارس روفرز اوبرتيونتي روفر» التي لم تهبط على سطح الكوكب الأحمر، لكنها دارت حوله، وأرسلت صوراً عالية النوعية عنه. 2006: اتّخذت المركبة الأميركية «مارس ريكونسينس أوربتير» مداراً ثابتاً حول المريخ. 2007: هبطت المركبة الأميركية «فينيكس مارس لاندر» على سطح الكوكب الأحمر، في منطقة القطب الشمالي منه. * اكاديمي لبناني