فكرة طيبة: تقريب المختلف سياسياً والبحث عن التلاقي والتقارب. ما تعجز عنه السياسة قد يمنحه المجال الرمزي، أو الفني هنا في مجال الإنتاج الترفيهي التلفزيوني. «الديوانة» أو الجمارك بالعربية الفصحى سلسلة تنحو هذا المنحى، وهو ما لم نره من قبل. سلسلة ممتعة تنتجها وتعرضها القناة المغربية الثانية «دوزيم»، ويجسد أدوارها ممثلان كوميديان معروفان في الجزائر والمغرب، البلدان الكبيران الجاران، المقدر عليهما التلاقي بحكم كل شيء. الجغرافيا والتاريخ والثقافة واللغة، سواء كانت هذه الأخيرة دارجة، فصيحة أم أمازيغية. لا مجال للتفريق فالتشابه كبير. لكن السياسة لها منطق آخر، وصيرورات التاريخ الحديث خلقت وضعاً آخر أبرز تجلياته أن الحدود البرية مغلقة بين البلدين منذ سنوات. ومن هنا فكرة برنامج عن «الديوانة» أو الجمارك. جمركيان، جزائري ومغربي، كل في مخدعه يقوم بمهمته الموكولة إليه. جاران بينهما خط، وهمي أم حقيقي، مع رايتين ولونين يفرقانهما. ولكن، ماذا لو نسيا ذلك لحظة أو لحظات، وعاشا كإنسانين لا غير. ذلك ما نراه طيلة الحلقات الرمضانية. فللمرة الأولى يشاهد المغربي برنامجاً تلفزيونياً يجمع مغربياً وجزائرياً، يتكرر في شكل دوري، وفي ذلك جرأة وتطبيع مطلوب. وبالتالي يكتشف هذا المشاهد أن لا حجة تفرق بين الإخوة هنا وهناك. السلاسة اللغوية والهموم المشتركة هي هي، ولا يشعر بالتغير المجالي الحيوي كما يحدث عند متابعة برنامج آسيوي أو لاتيني مثلاً. الحلقات سريعة الوقع خفيفة الظل، ولا تدوم سوى زمن القفشات المشتركة التي يتبادلها الكوميديان عبر ما يصطلح عليه بكوميديا الموقف. يتم الإضحاك والتفكه وتزجية وقت. بل وتسجيل موقف ما عام ومقبول من طرف الجزائري عبدالقادر السيكتور والمغربي حسن الفذ. الأول تعرف إليه المغاربة من خلال مشاركاته في مهرجان الضحك الدولي في مراكش. والثاني له حضور قوي منذ عقدين، وميزة ما يقدمه أنه لا يعتمد على الارتجال أو المواصفات الجسدية والسلوكية بل على التعاون مع كتاب حقيقيين أبرزهم القاص والناقد السينمائي مصطفى المسناوي. والحق أن السخرية من الظواهر الإنسانية في «الديوانة» وهي أمر ذو أهمية بالغة للخطاب المباشر الذي يتميز به ولقدرته على الوصول إلى العواطف بسرعة. الخفة لا تعني السطحية، والإمتاع لا يعني إثارة الضحك فقط. نعم، نفهم أن البرنامج لا يهتم بإثارة الجدل، وهو فقط يؤدي مهمة إضحاك لا غير. ونقدر الجرأة والعمل الحيادي الجميل. لكننا نتمنى، نصوصاً أقوى، خصوصاً أن في الجزائر والمغرب نصوصاً قصصية قصيرة ساخرة بامتياز. ألم يكن الأجدر الاستعانة بها، بقليل من الاجتهاد والبحث. وهي من شأنها أن ترسخ واقعاً تلفزيونياً ناجحاً في انتظار أن «يساير» الواقع الجغرافيا.