عندما فتحت القوات السورية نيران المدافع الرشاشة وأطلقت الصواريخ على الحي السكني الذي تقيم به أخذت أم محمد تصلي وتدعو لابنها وهو جندي في الجيش السوري، لكنها في الوقت نفسه كانت تخشى على حياتها. تقول أم محمد إنها صدمت عندما حولت الانتفاضة الشعبية مدينتها حلب إلى منطقة حرب ولكنها تضيف أن عذابها النفسي أسوأ، فكل يوم تواجه حقيقة أن ابنها (20 سنةا) جزء من الجيش السوري الذي تأمل بأن يتغلب عليه مقاتلو المعارضة. وتقول «عندما يتصل أقول له: احبك... أرجوك انشق.. فلتقتل أنت قبل أن تقتل أهلك». ورفضت أم محمد ذكر اسم ابنها أو اسم العائلة خوفاً على سلامة ابنها. وتكشف الهالات السوداء تحت عينيها الخضراوين أن النوم يجافيها وتربت على شعر ابنتها البالغة من العمر ستة أعوام وتفكر فيما يدفع ابنها للاستمرار في الجيش. وتضيف «يقول انه في قاعدة في محافظة أخرى ولا يمكنه الرحيل. لم نره منذ عام». ومثلما هي الحال في البلاد فإن عائلة أم محمد ممزقة بين الولاء للنظام والتأييد لمقاتلي المعارضة وتدفع ثمن ذلك التمزق. نفدت أموال زوجها عمار وهو صانع أحذية منذ أن أغلق متجره ولا يملكون الوقود ويطهون على نيران يوقدونها بقطع خشب ينتزعونها من سطح المنزل. وعندما يتصل ابنهم يكذب عمار عندما يروي له كيف يقضون شهر رمضان. وقال عمار «يسأل (الابن) ما إذا كانت والدته تطهو الطعام المفضل لديه وأنا أقول له بالطبع. لا أقول له أن ليس لدينا سوى البطاطا (البطاطس) والأرز أو الخبز لأن هذا سيفطر قلبه». ويجلس عمار مع عائلته في منزلهم في أحد الشوارع الخلفية المتعرجة غير الممهدة في الضواحي الفقيرة لحلب. ومنزل العائلة كان على بعد بضعة شوارع فقط من مكان اشتباكات كبيرة وقعت بين مقاتلي المعارضة والجيش حيث ما زالت بقايا دبابات محترقة وأظرف أعيرة نارية تغطي الشوارع. وعندما سقطت قذائف مورتر على مكان يختبئ به مقاتلو المعارضة في الشارع اختبأت أم محمد مع زوجها وأبنائهما الصغار الثلاثة تحت الفراش في الوقت الذي تطايرت فيه شظايا. وقالت «نظرنا إلى بعضنا بعضاً وقلت لنفسي هكذا ينتهي الأمر». وتأتي مرام (ستة أعوام) ببعض الشظايا التي جمعتها وتضعها على أرض غرفة المعيشة حيث يجلس أفراد عائلتها على وسادات ممزقة. وحاولت أم محمد والأطفال الفرار من القتال والذهاب إلى الريف إلا أن الأوضاع كانت سيئة للغاية لدرجة أن بعض العائلات مثل عائلتها اختارت المجازفة بالعودة إلى حلب. وفي الريف اكتظ منزل صغير بعشرات الأفراد دون طعام أو مياه تكفي وسط درجات حرارة خانقة. وقالت أم محمد «كان هناك 60 شخصاً في منزل أحد أقاربي.. قلت أننا من الممكن جداً أن نصاب بمرض ما بنفس قدر إمكانية إصابتنا بقذيفة مورتر... فضلت أن أكون في منزلي حتى لو مت جوعاً». وتراجعت حدة القتال في الأيام الأخيرة ولكن يصعب عليهم نسيان ما تعرضوا له.. إذا أغلق باب بعنف يرتجف علاء البالغ من العمر ثمانية أعوام. ويقول علاء «لست خائفاً من القصف» ولكنه يتردد ثم يضيف «باستثناء في الليل. أخاف أن أنام». ولكن حتى والده عمار يصعب عليه النوم ويقول «كل ليلة أفكر لماذا لم يهاجمنا الجيش هنا ثانية.. لن يقبل أن نكون أحراراً.. أعلم انه الهدوء الذي يسبق العاصفة». واشترى عمار بعض الدعامات الخشبية وقماش التربولين لصنع خيمة على أمل بأن يتمكن إذا فرت عائلته ثانية من توفير ملاذ للعائلة خارج المدينة دون أن تضطر للإقامة في قرى مكتظة من جديد. وقال «بالنسبة لي لا يمكنني أن أترك بلدي أو منزلي حتى لو مت هناك. إنها مسألة كرامة». ولا تريد أم محمد أيضاً الرحيل. وتقول إن ابنها ربما يعود للمنزل الآن بعد أن يعلم أن القتال انتقل إلى مدينته. وتضيف «أتمنى كل يوم أن ينشق... مر عام ولم يعد. أخشى أن أنسى وجهه».