ما زالت القوى الثورية في مصر على حالها بالنسبة الى علاقتها السيئة بالمجلس العسكري والرافضة للنظام السابق، بينما العلاقة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والرئيس مرسي من جهة والعسكر وبعض المحسوبين على النظام السابق تتجه نحو المهادنة بل التحالف. وعلى أي حال فإن القوى الثورية التي واجهت «الفلول» والعسكر لسنة ونصف صار عليها الآن أن تواجههما ومعهما التيار الإسلامي كله وخصوصاً «الإخوان» اضافة الى مؤسسة الرئاسة بثقلها. عملياً وبكل بوضوح لا يمكن الفصل بين مؤسسة الرئاسة وتحديداً بين مرسي وبين «الإخوان»، مهما تعددت وتكررت التصريحات من الجانبين والتي تؤكد أن هناك فصلا تاما بين الجماعة ومكتب إرشادها ومجلس شورتها وقواعدها وبين الرئيس مرسي الذي صار رئيساً لمصر ولكل المصريين. وبغض النظر عن بعض الملابسات والمشاهد والأفعال والأقوال التي تخرج من بعض رموز «الإخوان» وتحرج الرئيس فإن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن فشل مرسي في مهمة الرئاسة سيمثل ضربة قاصمة للجماعة وحزبها «الحرية والعدالة»، وأن سقوط الرئيس عن مقعده يعني أن نجم الجماعة ذات التاريخ والثقل ربما يكون مهدداً بالزوال. وحتى إذا رأى بعضهم أن الجماعة الآن تسير في اتجاه الدعوة أو التربية وتبتعد شيئاً فشيئاً عن السياسة، فإن العلاقة بين مرسي والجماعة تشبه طرفي المقص حيث يبدو وكأنهما يسيران في اتجاهين مختلفين. لكن الحقيقة أن كل طرف مشدود إلى الآخر، وعلى ذلك فإن محاولات إثبات وجود العلاقة بين الرئيس و»الإخوان» أو حزب «الحرية والعدالة» لا تمثل سوى استنزافاً للوقت لإثبات ما هو بديهي. والأجدى بالنسبة للقوى التي تنافس «الإخوان» الآن، وخصوصاً تلك التي تطلق على نفسها اسم وصفة «القوة المدنية»، أن تدرس موازين القوى السياسية في الشارع لتتمكن لاحقاً من منافسة «الإخوان»، جماعة وحزباً ورئيساً بدلاً من استنزاف الجهد والوقت وربما المال أيضاً لمحاولة إثبات ما هو مثبت بالفعل. وفي هذا السياق مازالت القوى المدنية تعاني انقسامات حادة لا تمكنها الدخول في منافسة متكافئة مع «الإخوان» في أي انتخابات مقبلة. وحتى برغم بعض التطورات والتداعيات التي وقعت خلال الشهور والأسابيع الأخيرة ومنها أداء نواب التيار الإسلامي في البرلمان المنحل وأداء مرسي نفسه في مؤسسة الرئاسة وسلوك «الإخوان» وتصريحات رموز حزب «الحرية والعدالة» وأخطاء بعض المحسوبين على التيار الإسلامي، فإن ملامح الصورة ترجح أن يأتي البرلمان المقبل بأغلبية للإسلاميين أيضاً، تماماً كما البرلمان المنحل ليس لأن التيار الإسلامي احتفظ بثقله وقوته وحضوره في الشارع وإنما لأن منافسيه ازدادوا ضعفاً وتشرذماً وانقساماً. في هذا الإطار يمكن فهم قرار مرسي تعيين الدكتور كمال الجنزوري مستشاراً له، بعدما كان «الإخوان» يعتبرون حكومته «جريمة في حق الثورة»، وكذلك تفسير وجود عدد من المحسوبين على النظام السابق ضمن التشكيلة الحكومية للدكتور هشام قنديل وأيضاً استيعاب مغزى اجتماعات جمعت رجال أعمال بارزين وبين رموز من «الإخوان». تلك التطورات التي جرت أخيراً طرحت تساؤلاً عن تناقضات وقع فيها «الإخوان» ما بين خطابهم الإعلامي والسياسي في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية وبين سلوكهم الآن وتصرفاتهم وتحالفاتهم الجديدة، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع علاقة جديدة بين مرسي والمجلس العسكري. فبعد كثير من الصخب والتوقعات بحدوث صدام صار حديث مرسي عن المجلس العسكري ورجال الجيش وكأنه صادر عن شخص لم ينتقد أخطاء العسكر يوماً فما بالك إذا كان تحداهم وهتف ضدهم. باختصار فإن الرئيس مرسي، ومعه حزب «الحرية والعدالة» وجماعة «الإخوان المسلمين»، رأى أن الأوان آن لكسب ود «الأغلبية الصامتة» هؤلاء الذين لا يمارسون السياسة ولا يرغبون فيها ولا يؤيدون فصيلاً بعينه ولكنهم يخشون على البلد ويطلبون دائماً الهدوء والاستقرار «تحت أي نظام». هؤلاء بينهم رؤوس عائلات كبيرة في الصعيد والوجه البحري ورجال أعمال من الوزن الثقيل عملوا مع النظام السابق من دون أن يفسدوا ومستعدون للعمل مع أي نظام آخر طالما ضمن لهم الأمن والاستقرار. يحتاج «الإخوان» إلى دعم هؤلاء أثناء كل اقتراع وكذلك إلى مساندتهم في تهدئة الشارع واستيعاب الاحتجاجات والرد على الثوريين الذين اختاروا المضي في طريق يزيد من انقسامهم وبالتالي ضعفهم، بينما يوسع «الإخوان» من دائرة مؤيديهم إلى درجة أنه وسط الدعوة للثورة عليهم يوم 24 الجاري، والتي يتبناها بعض معارضي التيار الإسلامي، أرسل محافظو القاهرة والجيزة والبحر الأحمر ببرقية يهنئون فيها مرسي بذكرى غزوة بدر.