على رغم حداثة بناء مسجد القائد إبراهيم (1951) في الإسكندرية، فإنه لعب دوراً تاريخياً في إذكاء الحركة الوطنية المصرية الحديثة، وأصبحت ساحته والمنطقة المحيطة به تكادان لا تخلوان من الناس على مختلف مشاربهم وأحلامهم ومتطلباتهم ووقفاتهم الاحتجاجية واحتفالاتهم، سواء أكانت اجتماعية (زواج أو طلاق أو عزاء) أم دينية (صلاة ومحاضرات). يقع المسجد في وسط الإسكندرية بمحطة الرمل، مطلاًّ على الكورنيش ومقر المركز الإقليمي لل «يونيسيف» (مركز سوزان مبارك سابقاً) وحديقة الخالدين، فضلاً عن ميدان محطة الرمل الشهير وكلية الطب. ونظراً الى غياب كثير من مثقفي الشعب ومفكريه، لم يجد الشباب متنفَّساً ولا ملتقى إلا ساحات المساجد ودور العبادة، فتحول المسجد وساحته ملتقى سياسياً وشعبياً كبيراً، وحمل منبره الدعوة للتغيير والثورة على الظلم لعقود طويلة، بل تحول رمزاً للنضال الوطني في الإسكندرية. وذاع صيت المسجد في سبعينات القرن الماضي، عندما تولى إمامته الشيخ أحمد المحلاوي (87 سنة) المنتمي الى التيار السلفي، والذي كانت خطبه المعارِضة لسياسة أنور السادات وانتهاكات القانون والحريات في عهده لاذعةً، فالمحلاوي رفض علناً اتفاق السلام مع إسرئيل، ما جعل السادات يعتقله آنذاك. وفي عهد حسني مبارك، أصبحت ساحة المسجد مقراً دائماً للتعبير عن الحرية، إذ اعتاد الإسكندرانيون مشاهد الاعتصامات والتظاهرات في باحته احتجاجاً على الأوضاع السيئة، ومن أبرزها التظاهرات المنددة ببطش النظام وبالاعتقالات والتعذيب، ما أحرج النظام السياسي في مصر برمته، ما دعا مبارك الى ان يصدر قراراً بمنع المحلاوي من الخطابة في المسجد منذ 20 سنة، لكن صاحب الخطب الثورية ما زال يخطب حتى الآن. يُعتبر المسجد من أشهر المساجد، إذا لم يكن أشهرها على الإطلاق في إقامة صلاة التراويح والتهجد في شهر رمضان، ويؤمه المصلون بأعداد هائلة تتعدى مئات الآلاف يومياً، من الإسكندرية وخارجها، خصوصاً في الشهر المبارك. يلتف المصلون من حول المسجد إلى ميدان محطة الرمل وميدان صفية زغلول والكورنيش، وأحياناً يمتد الحشد إلى مناطق بعيدة من المسجد، ما يُعطل حركة المرور في المنطقة ويغلِق بعضَ الشوارع، لضخامة عدد المصلين. وقد تزيد أعداد المصلين حتى تصل الى مليون شخص أو أكثر بقليل في العشر الأواخر من الشهر الكريم وفي صلاة العيد، ولهذا السبب كان المسجد قبلة المنتفضين في ثورة «25 يناير» وقبلها، إذ خرج من رحمه العديد من الاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات، بدءاً من ثورة 1952، مروراً بتظاهرات منددة بتعذيب المعتقلين والصحافيين ومقتل شهيدة الحجاب وخالد سعيد، وانتهاء بثورة 25» يناير» العام 2011 ومليونياتها، من «جمعة الرحيل» و«جمعة النصر» و «مليونية العدالة والمصير والشرعية»... وغيرها الكثير من أحداث الثورة المصرية. اللافت أن ساحات المسجد لا تقتصر على المسلمين، بل يتجمع فيها المسلمون والأقباط للنقاش والحوار الوطني، ضاربين أعظم مثل التضامن بين قوى الشعب. وشهدت التظاهرات المليونية توافدَ الآلاف من الأقباط، الذين قاموا بحماية المسلمين أثناء الصلاة وتنظيم حركة المرور على الطرق المؤدية إلى المسجد. يذكر أن مسجد القائد إبراهيم أنشئ في الذكرى المئوية لوفاة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر ومؤسس المؤسسة العسكرية المصرية الحديثة، صمّمه الإيطالي مايو روسي على مساحة ألفي متر مربع على الطراز الإسلامي، واستخدم في التصميم زخارف و «موتيفات» من مختلف العصور الإسلامية. يشتهر المسجد بمئذنته الطويلة الرشيقة بنسبها المتوازنة، والنسق الجمالي لهندسة بنائها، والتي تتميز بوجود ساعة فيها، كما يشتهر بمحرابه الشهير، الذي من خلاله يتم حشد الملايين.