ولم يعد مسجد القائد إبراهيم، القابع في قلب الأسكندرية النابض بمنطقة محطة الرمل، مكانًا لمناسبات المشاهير والشخصيات العامة السكندرية الحزينة والمفرحة، بل أصبح قبلة للراغبين في عمل وقفات احتجاجية للتنديد بالظلم حيث خرجت من رحمه العديد من الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات، بدءًا من انتفاضة 1952 وانتهاء بانتفاضة 25 يناير 2011، ومنها مظاهرات مقتل شهيدة الحجاب مروة الشربيني واختفاء زوجة الكاهن كاميليا شحاتة، وشهيد الشرطة خالد سعيد ومؤخرًا نال شهرة واسعة بفضل شباب 25 يناير الغضب متحولًا إلى قبلة لشريحة أخرى من البشر، بلوروا رؤى الغد، فعبّدوا الطريق أمام تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية هامة.. ومسجد القائد إبراهيم على الرغم من حداثة معماره إلا أن تاريخه يحمل العديد من الشهود للدور الذي لعبه هذا المسجد في إحياء الحركة الوطنية المصرية بداية من بنائه في منتصف القرن الماضي (1948م) نظرًا لموقعه الاستراتيجي والجمالي في نفس الوقت حيث يطل على البحر وعلى حديقة الخالدين فضلًا عن ميدان محطة الرمل الشهير. ويشتهر المسجد بمئذنته الطويلة الرشيقة بنسبها المتوازنة والنسق الجمالي لهندسة بنائها والتي تتميز عن دونها بوجود ساعة فيها، كما يشتهر المسجد بمحرابه الشهير والذي من خلاله تم حشد الملايين في جُمع الثورة المتعاقبة، وقد أقيم هذا المسجد في الذكرى المئوية لوفاة إبراهيم باشا بن محمد علي والي مصر السابق ومؤسس العسكرية المصرية الحديثة والمعروف باسم (القائد إبراهيم)، وقام بتصميم المسجد مهندس روسي (رفائيوف دلوتشي) والذي شغل منصب كبير مهندسي الأوقاف عقب مسابقة أقيمت لذلك وأصبح القائم على أعمال القصور والمساجد في عهد الملك فؤاد الأول. وقام المهندس الروسي بتصميم المسجد مستخدمًا زخارف وموتيفات من مختلف العصور الإسلامية والتي انسجمت معًا في غير تنافر ولا تزاحم، كما روعي في اختياره للزخارف أن تتناسب مع النسق المعماري العام الموجود في المباني المحيطة في تلك الفترة.. يعتبر القائد إبراهيم من أشهر المساجد، إذا لم يكن أشهرها على الإطلاق، في إقامة صلاة التراويح والتهجد في شهر رمضان. حيث يؤمه المصلين من جميع أحياء الأسكندرية وتصل ضخامة عدد المصلين إلى مئات الآلاف ويلتف المصلون من حول المسجد إلى ميدان محطة الرمل وميدان صفية زغلول والكورنيش وحتى إلى مناطق بعيدة عن مكان المسجد وتتعطل حركة المرور نهائيًّا وتغلق بعض الشوارع المحيطة ولهذا السبب كان المسجد قبلة الثائرين حيث انطلقت المظاهرات المليونية من جمعة الرحيل وجمعة النصر وجمعة التذكير وثلاثاء المليون وغيرها الكثير من أحداث 25 يناير والتي انتهت برحيل الرئيس المصري.. اللافت في هذه الانتفاضة أن ساحات المسجد لم تقتصر على المسلمين فقط، بل شهدت تجمعات لكل من المسلمين والأقباط، وما يثير الدهشة أنه على الرغم من دعاوي التطرف والتفرقة؛ إلا أن المصري فاجأ العالم ضاربًا أعظم مثال للتلاحم والتضامن بين قوى الشعب؛ حيث شهدت المظاهرات المليونية توافد الآلاف من أقباط الأسكندرية الذين قاموا بحماية إخوانهم المسلمين أثناء الصلاة وتنظيم حركة المرور بالطرق المؤدية إلى المسجد بالإضافة إلى القيام بعمليات تفتيش للمواطنين الراغبين في الدخول إلى ساحة المسجد.