لم تكن هناك طريقة أكثر رومانطيقية أو أعتى قدرة على توحيد المصريين للاحتفال بحدوث انفراجة لأزمة طال أمدها حتى ظن البعض أنها لن تنفرج. فبعدما ظن المصريون أنهم عانوا أقصى درجات ملل الانتظار أثناء ترقب تسمية رئيس الوزراء، فاجأتهم الأقدار بأن في الملل متسعاً أكبر وأعمق مما كانوا يظنون. بعضهم وصفها بأنها «حكومة جملي» (مثل لحم الجمال الذي يحتاج إلى ساعات طويلة لطهيه)، وآخرون توقعوا أن تكون حكومة عباقرة وفلتات زمن لناحية الخبرة والذكاء والقدرة على مواجهة تلال المشاكل الحياتية الخانقة التي يرزح تحتها المصريون. وبينما كانت شوارع القاهرة والجيزة تعيش أزهى عصور الرومانطيقية في ظلام دامس لا تقطعه سوى أضواء السيارات وشموع أوقدها آلاف الباعة الجائلين الذين يحتلون كل بقعة في القاهرة الكبرى، استقبل الجميع خبر التشكيل الوزاري الجديد في أجواء من العدالة الاجتماعية الكاسحة لم يعتدها المصريون من قبل. ولعلها سخرية القدر التي جعلت هدف «ثورة يناير» الأسمى وهو «العدالة الاجتماعية» يظلل الإعلان عن التشكيل الجديد، إذ اتسم ظلام القاهرة الكبرى بالعدل التام والمساواة الكاملة، فالظلام بات يلف أحياء العاصمة الراقية وعشوائياتها الموحشة ومعهما كبرى الميادين وأصغر الحارات والأزقة في تلاحم شعبي ظلامي غير مسبوق. ويبدو أن المصريين موعودون بكل ما هو غير مسبوق هذه الأيام، فالحكومة التي تشكلت بعد طول انتظار وصفها البعض بأنها «حكومة فخفخينا» كعصير الفواكه المختلفة غير المتجانسة المضروب في الخلاط، ونعتها آخرون ب «الكشري» كونها تحوي «إخواناً» وفلولاً ووكلاء وزارة لوزراء سابقين وأشخاصاً مجهولين يتوقع أن يعملوا سوياً في مرحلة بالغة الخطورة. وتعجب كثيرون من كثرة الاتهامات التي دأب أنصار الرئيس محمد مرسي والمؤيدون والمتعاطفون مع جماعة «الإخوان المسلمين» على توجيهها إلى «الدولة العميقة» باعتبارها من أكبر العوائق أمام عمله، ثم يبادر إلى الاستعانة بعدد كبير من الوجوه المنتمية إلى صميم هذه الدولة العميقة. ويبدو أن عمق الدولة والظلام الدامس الذي وقعت فيه دفعا البعض إلى التفكير في حلول للخروج من هذا العمق المظلم. واقترح ناشطون على «تويتر» قطع الكهرباء عن مأدبة الإفطار المقامة للوزراء الجدد أمس بحيث تكون بداية العمل الوزاري على أرض الواقع، في حين اقترح آخرون أن يتم استئجار أحد الباصات التي تستخدمها جماعة «الإخوان» لحشد سكان المحافظات والأقاليم في ميدان التحرير وقت اللزوم، وذلك لحشد الوزراء الجدد ومعهم الرئيس مرسي ليتناولوا الإفطار في دهشور التي تشهد أحداث «فتنة القميص» وإعادة السكان المسيحيين الذين تم تهجيرهم، وتكون بذلك بداية عمل حقيقية. وأبدى البعض تخوفه من أن يظل الوزراء الجدد في فترة «تليين» (مثل محرك السيارة الجديد الذي يحتم قيادتها ببطء) فتصاب الوزارة الجديدة بالعطب ويتفاقم الشعور بملل الانتظار لدى جموع المصريين. واستشهد أولئك بالعطب الذي أصاب «مرسي ميتر» أو المقياس الإلكتروني لأداء مرسي، إذ فقد توقف العداد عند النقطة رقم واحد من مجموع 64 نقطة تمثل وعوداً قطعها الرئيس على نفسه ليحققها خلال المئة يوم الأولى. الوعد الذي تحقق قبل عطب العداد مع مرور 33 يوماً هو «حملات توعية إعلامية وخطب جمعة تدعو إلى النظافة وتشير إلى إثم إيذاء الناس بالزبالة في الطريق». وتمكنت نظرية المؤامرة من بعضهم فرأي في قطع الكهرباء بهذا الشكل غير المسبوق محاولة لتصفير «مرسي ميتر» لإعادة العد من اليوم الأول بدلاً من ال33 يوماً التي أهدرت عن آخرها من دون إنجاز واحد. لكن هناك من ينظر إلى نصف الكوب الممتلئ، فإذا كان بعض فئات الشعب لجأ في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى مخدر «الحشيش» هرباً من المشكلات، فإن كل الفئات في عهد مرسي تلجأ إلى «التحسيس» هرباً من التخبط في الظلام. وعلى النهج الإيجابي نفسه، رأى البعض في التشكيل الوزاري الجديد ضرباً من العبقرية في الزمان والمكان، إذ إن تجميع هذه الكوكبة المتناقضة في مكان واحد عبقرية في حد ذاتها. عبقرية من نوع آخر أشارت إليها الناشطة السياسية أسماء محفوظ بقولها إن كل ما فعله توماس اديسون على مدى 20 سنة أطاح به الرئيس مرسي في 20 يوماً (هي عمر انقطاع الكهرباء في شكل متكرر). وبغض النظر عن أسماء التشكيل الوزاري الجديد، فإن المصريين وجدوا في التصنيف الخاص بهم تشكيلاً ألطف وأحلى، فقال البعض إن البرنامج الوزاري للحكومة الجديدة هو كالتالي: «الصحة: ربنا يشفي، التعليم: ربنا يفتح علينا، العمل: ربنا يرزق، العدل: ربنا غفور رحيم، الدفاع: ربنا يستر، الخارجية: ربنا يقدم ما فيه الخير، الثقافة: ربنا يهدي، الرياضة: ربنا يقوي، المواصلات: ربنا يسهل، السياحة: ربنا يلطف بنا، الزراعة: ربنا يرحمنا، الدين: ربينا دقوننا».