عادت موضة زواج القاصرات إلى الظهور مجدداً في العراق، بعد أن انخفضت نسبتها سنوات طويلة مضت. وعلى رغم بدء العمل بقانون الأحوال الشخصية الذي يمنع الزواج دون السن القانونية، يتناقل المحامون والعاملون في المحاكم العراقية قصصاً يومية كثيرة حول ورود قضايا إلى محاكم الأحوال الشخصية تطالب فيها متزوجات قاصرات بالطلاق فيما زواجهن لم يتم داخل المحكمة. تنص المادة 41 من الدستور ان «العراقيين أحرار في أحوالهم الشخصية، بصرف النظر عن أحوالهم ومذاهبهم»، إلاّ أن هذه المادة، فتحت باب الاجتهاد أمام مناصري الزواج المبكر في البلاد، وتحوّلت شمّاعة يعلقون عليها مواقفهم. القانون الذي أُجريت عليه تعديلات عدة لم يمنع شيوع ظاهرة الزواج المبكر، الذي غالباً ما يتم عقده خارج المحاكم، اذ يكتفي القاصرون فيه بعقد القران من قبل رجل الدين. وهو عقد تتبخر معه جميع حقوق القاصرات، اللواتي لا يُسمح لهن بالمطالبة بأي حقوق سواء كانت تتعلق بالمهر المقدم أم المؤخر أم الأولاد الناتجين عن الزواج. وساهمت الثقافة الاجتماعية السائدة بعد عام 2003 في التعدي على قانون الأحوال الشخصية، والعودة الى التقاليد العشائرية التي رسّخت تقاليد المجتمع الذكوري الذي يميل إلى تزويج النساء مبكراً. وتقول الناشطة النسوية وأستاذة كلية القانون في جامعة بغداد، بشرى العبيدي: «العراق بدأ يشهد ارتفاعاً كبيراً في حالات الزواج المبكر. وهذا الارتفاع يتناسب طرداً مع حالات الطلاق المبكر، وكلّما زادت حالات الزواج المبكر ارتفعت حالات الطلاق المبكر ايضاً». وتذكر إحصاءات بعض المحاكم العراقية في بغداد، ان هناك «حالة طلاق واحدة بين كل حالتين من حالات الزواج، أي أن نسبة الطلاق في الزواج المبكر وصلت الى 50 في المئة في بعض المحاكم». وتؤكد العبيدي ان «قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، حدّد أهلية الزواج في سن الثامنة عشرة، وسمح لمن هم في سن الخامسة عشرة بالزواج لضرورات يقدّرها القاضي في محكمة الأحوال الشخصية، وهذا القانون ما زال سارياً في الوقت الحالي، في حين ان غالبية زيجات القاصرات تتم خارج المحكمة». وتعاقب المادة التاسعة من القانون كل من يجبر شخصاً على الزواج أو يمنعه من الزواج بالغرامة والحبس، حتى وإن كان من المقربين، لكن المشكلة الرئيسة في الموضوع هو عدم مطالبة كثيرات من النساء بحقوقهن في الموافقة على الزواج من عدمه، اذ يتجنّبن تقديم أي شكوى ضد الأب أو الشقيق الذي يجبرهن على الزواج المبكر. وعلى رغم ربط كثيرين مشكلة الزواج المبكر في العراق بالوضع الاقتصادي للعائلات، ترى العبيدي أن هذه القضية تنطبق على حالات معدودة، وان كثيرين من الميسورين مادياً يقومون بتزويج بناتهم مبكراً خارج المحاكم تحت مبررات غير منطقية مثل «الستر» على المرأة، وإيجاد شخص يحميها من مشكلات الزمن في ضوء الأوضاع الأمنية الحالية، فضلاً عن الحماية من «الانحراف العاطفي». وتؤكد العبيدي أن الدراسات الحديثة كشفت بطلان جميع تلك التبريرات، وان الزواج المبكر بات احد اسباب الخيانة الزوجية في الوقت الحالي، أي أنه تحوّل إلى سببب في انعدام الأمن الأسري، وشيوع الانحراف العاطفي، وليس العكس.