التأمت الحكومة الأمنية المصغرة في تل أبيب أمس على وقع استئناف الحرب على غزة وسقوط أكثر من 160 قذيفة صاروخية على جنوب إسرائيل ووسطها، في ظل دعوات وزراء بتوسيع رقعة الحرب ووقف أي مفاوضات مع حركة «حماس». وتكتمت إسرائيل الرسمية عن محاولة اغتيال قائد الجناح العسكري في «حماس» محمد ضيف، وإن نقلت الإذاعة العامة عن أوساط رسمية أن الغارة التي دمرت بيوت عائلة الدلو استهدفت فعلاً ضيف بداعي أنه «هدف مشروع»، وهو ما أشارت إليه وسائل الإعلام العبرية في عناوينها الرئيسة. وكرر عدد من الوزراء مقولة أن «محمد ضيف يستحق الموت»، وقال وزير الداخلية جدعون ساعر إنه «عندما تسنح الفرصة لإسرائيل لتصفيته جسدياً فيجب استغلالها». ورفضت أوساط سياسية الاتهامات الموجهة للحكومة الإسرائيلية بأنها افتعلت أزمة لتنهار المفاوضات في القاهرة، وادعت أن التعليمات للوفد المفاوض بالعودة من القاهرة جاءت بعد أن خرق الفلسطينيون اتفاق وقف النار وأطلقوا ثلاث قذائف صاروخية على جنوب إسرائيل، وبعد أن اتخذت «حماس» مواقف أكثر تصلباً «بتعليمات من رئيس المكتب السياسي خالد مشعل». لكن صحيفة «يديعوت أحرونوت» أضافت نقلاً عن أوساط سياسية تحدثت إليها قولها إن «إسرائيل لم تكن متحمسة للاتفاق المتبلور»، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو خشي حقاً من اتفاقٍ لا يستطيع تمريره في الحكومة الأمنية المصغرة، و»عليه أعطى تعليماته للوفد المفاوض بتشديد موقفه». وأضافت أن هذه الأوساط تعتقد أنه الأفضل لإسرائيل في الوضع الراهن السعي إلى خطوة أحادية الجانب تقوم على «مبدأ الهدوء مقابل الهدوء» وتسهيل الحصار على غزة، «لكن ليس من خلال ترتيب الأمر في اتفاق رسمي». من جهتها، قالت أوساط أمنية للصحيفة: «لن نفاوض بعد، المبادرة المصرية لم تعد ذات شأن... حالياً لن نفاوض على وقف النار... إسرائيل مستعدة للتصعيد واحتمال عملية برية واسعة وارد جداً». واستغل عدد من الوزراء انهيار وقف النار لتوجيه انتقادات لنتانياهو على «إجراء مفاوضات مع حماس». ولم يتوقف ذلك عند وزراء اليمين المتشدد الذين كرروا الدعوات إلى حرب برية واسعة «لدحر حماس» (نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان) إنما أيضاً وزيرة القضاء تسيبي ليفني، المحسوبة أكثر الوزراء اعتدالاً، فقالت إنه يحظر على إسرائيل أن تفاوض حركات إرهابية، «بل يجب تجنيد العالم ضد حماس». وتابعت: «ممنوع الاتفاق مع حماس، يجب الاتفاق ضد حماس». وانتقد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان معادلة «الهدوء مقابل الهدوء»، وقال إنها أثبتت فشلها «لأنها عنت أن حماس هي التي تبادر وهي التي تقرر متى وكيف وكم صاروخ تطلق على إسرائيل بينما نحن نكتفي بالرد... حماس تريد حرب استنزاف، وممنوع أن ننجر وراءها». ورأى مراقبون في تصريحات الوزراء أنها تقطع الطريق على احتمال العودة إلى طاولة المفاوضات في القاهرة. وأشار البعض إلى أن إسرائيل قد تعود إلى جولة عسكرية أخرى «إلى حين نضوج عملية سياسية جديدة تقود إلى إنهاء المواجهات». وقال زعيم المعارضة اسحق هرتسوغ إنه يؤيد التوصل إلى اتفاق مع «حماس، لكن بمظلة دولية وليس عبر مفاوضات في القاهرة». واعتبر المعلق العسكري في «هآرتس» أمير اورن الهجوم الذي استهدف ضيف «مفاجأة إسرائيلية، إذ رأت إسرائيل أن الفرصة مناسبة لتصفيته، وقامت بالهجوم بغض النظر عن أسباب انهيار وقف النار». وحملت تعليقات صحف أمس على نتانياهو وسوء إدارته الحرب والمفاوضات، وكتب المعلق السياسي في «هآرتس» باراك دافيد أنه «في امتحان النتيجة، فإن الطريق التي أدار فيها نتانياهو الحرب لم تقدم بشيء المصالح السياسية لإسرائيل». واعتبر اختيار نتانياهو المفاوضات للتوصل إلى اتفاق خطأ جسيماً تسبب في ضرر سياسي كبير، «إذ بدلاً من أن يحشد تأييد المجتمع الدولي إلى جانب إسرائيل، اتسع الشرخ مع الولاياتالمتحدة، وبدلاً من عزل حماس دولياً، فإن المفاوضات التي شاركت فيها منحتها مزيداً من الشرعية وأضعفت أكثر الرئيس محمود عباس». وأردف أنه بدلاً من دفع عملية سياسية تخدم أمن إسرائيل القومي، انجر رئيس الحكومة ووزير دفاعه إلى عملية أملت حماس جدول أعمالها... ورويداً رويداً تخلت إسرائيل عن مطالب تجريد القطاع من السلاح ومنع تعاظم القوة العسكرية للفصائل الفلسطينية، وعن مراقبة دولية وكانت على استعداد للقبول بأدنى قاسم مشترك من الهدوء مقابل الهدوء، فقط من أجل أن تشتري أشهراً عدة من دون صواريخ عليها». ورأى المعلق أن انهيار وقف النار يمنح نتانياهو فرصة ثانية لمحاولة بلورة عملية سياسية تمنحها إنجازات سياسية على الحلبة الدولية مثل التقدم باقتراح إلى مجلس الأمن بإصدار قرار على غرار القرار 1701 الذي أوقف الحرب على لبنان عام 2006، و»هكذا تتوقف الحرب على غزة، ويتم التأسيس لإنشاء آليات دولية والذهاب نحو سيرورة طويلة الأمد لتغيير الأوضاع في القطاع على نحو يخدم إسرائيل وحليفاتها ويعزل حماس ورعاتها».