الناطور أو حارس العمارة كما يحلو للأردنيين تسميته، مهنة جديدة لا يتجاوز عمرها ال 15 عاماً في مناطق عمان الغربية الراقية أو ذات العمارات السكنية المتعددة العائلات، بينما تكاد هذه المهنة تنعدم في المدن الأخرى، غير المكتظة بالسكان، التي تعتمد السكن الأفقي وليس العمودي، وحتى إن وجدت عمارات فغالبيتها تكون عمارات عائلية، لا تحتاج الى ناطور. في عمان تكاد لا تخلو عمارة من الحارس الذي لا يزاول من اسم المهنة شيئاً. وتقتصر مهماته على جمع النفايات من أمام الشقق وشطف الدرج (السلم)، وتلقّي اتصالات هاتفية لشراء سلع تطلبها سيدات الشقق. وغالباً، لا يعرف الجيران في العمارات السكنية في عمان بعضهم بعضاً، إلا شكلاً حين يلتقون مصادفة في المصعد أو في موقف السيارات أسفل العمارة. عمّان المكتظة بالسكان (4.5 مليون نسمة) والباهظة في تكاليف المعيشة، والتي تصنّف الرابعة عربياً من حيث الغلاء، لا تمنح سكانها وقتاً للفراغ من شأنه أن يسمح لهم بمعرفة جيرانهم وزيارتهم. فالغلاء بالتأكيد سيقذف بكل من لا يعمل على مدار النهار وجزءاً من الليل إلى الأرياف. وسط هذه الظروف المعيشية غير الطبيعية يبرز الناطور كمؤثر، ولاعب رئيس في حياة العائلات التي تسكن العاصمة. ووفق شريف عبد المنعم ناطور إحدى العمارات السكنية في حي الجبيهة في عمّان، يعتمد أرباب أسر كثر، يغيبون عن منازلهم طوال النهار بداعي العمل، اعتماداً كلياً على الناطور في توفير حاجات أسرهم، وحتى في معالجة أي طارئ قد يحدث في المنزل، مثل عطل فني قد يصيب أي من التجهيزات أو المساعدة في تسيير حياة الأسرة، ومنها انتظار عودة الأطفال من المدرسة واصطحابهم إلى المنزل. كل هذه الأعمال وربما أكثر منها ملقاة على عاتق الناطور الذي يتكسّب من كل خطوة يخطوها في سبيل ذلك، لاسيما أن معظم العمارات السكنية في عمان تتألف من 20 شقة، ما يجعله أحياناً أكثر شخص في العمارة تتوافر أموال نقدية في جيبه. ويكشف الناطور حسنين عبد العال أن سكان كثر في العمارة حيث يعمل يلجأون إلى الاستدانة منه، وتتحكم خبرته بأحوالهم ومعرفته بهم من قرب بموافقته على إقراضهم من عدمها. وعادة يكون الناطور أو حارس العمارة في الأردن مصرياً، فهذه المهنة ليست مغلقة أمام العمالة الوافدة، نظراً لاستنكاف الأردنيين عن العمل بها لأسباب مرتبطة بالثقافة المجتمعية، وكونها لا توفّر تقاعداً وتأميناً صحياً، فضلاً عن انخفاض أجورها (150 ديناراً أي ما يعادل 200 دولار) بالمقارنة بتكاليف المعيشة، في الوقت الذي تتطلّب فيه ترك بيت العائلة والسكن في غرفة مع منافعها أسفل العمارة. في المقابل، فإن انخفاض قيمة الجنيه المصري في مقابل الدينار الأردني (يساوي أكثر من 10 جنيهات) يجعل هذه المهنة جاذبة للعمالة المصرية الوافدة، خصوصاً أن إدارة البناء توفر المسكن مجاناً وتتكفل بدفع فواتير خدمات الكهرباء والماء، والغذاء أحياناً. ويسبب الناطور المطلع على أسرار الأسر التي تسكن العمارة، وفق محمد عرابي، مشاحنات وعلاقة جدلية بين الجيران، وغالباً تجد سكان العمارة منقسمين على الناطور، منهم من يتمسّك به ومنهم من يرى ضرورة استبداله. ويضيف عرابي أن الناطور يرتبط في أحيان كثيرة بأسر مؤثرة في العمارة، تغدق عليه المال في مقابل استغلاله لخدمة مصالحها على حساب الآخرين، وأبسطها تخصيص مواقف للسيارات أكثر من عائلات أخرى منها مستأجرة وليست مالكة للشقة، فيقنع الناطور المستأجر بأنه لا يحق له حجز موقف لسيارته في المرآب. وأحياناً يقفل الناطور سكر المياه على شقق لحساب تقوية الضخ في شقق أخرى كما يوضح عرابي، خصوصاً أن أحياء كثيرة في عمّان تعاني من ضعف في ضخ المياه، التي لا تصل إلى الخزانات على أسطح العمارات. فيما يمارس نواطير آخرون، وفق صائب القلعي، تضليلاً على السكان. فيؤجرون شققاً مفروشة فوضهم أصحابها بتأجيرها، بنظام الساعة أو اليوم لشبكات دعارة. وعندما يشكو السكان من حركة «غير طبيعية» في العمارة، يعزو الناطور السبب إلى كثرة الزوار إلى أسر معينة، فيما هو يجني أرباحاً على الساعة تضاهي تلك التي يحصلها أصحاب الشقق المفروشة!