عند محاولة استقراء المشهد الثقافي في السعودية، يتم النظر إلى الأندية الأدبية كجزء من الصورة التي تصنع الثقافة في البلد. وهي شهدت لفترات طويلة، تغييب عنصرين أساسيين عنها هما المرأة والشباب. المرأة كانت خارج دائرة هذه الأندية، فلم يكن يُسمح لها بالحضور. وأدى ابتعادها الجسدي إلى تهميشها معنوياً، وجعلها «غير صانعة للفعل الثقافي في غالبية المناطق». أما الشباب، فلم يشكل حضورهم «القليل» في فعاليات الأندية، والتفاعل مع المنشورات والمجلات والكتب التي تصدرها هذه المؤسسات، في بزوغ جيل شاب متكامل. وإن كانت هناك بعض التجارب إلا أنها تبقى بسيطة ولم تخرج من عباءة الجيل الذي يقود المؤسسة منذ فترة التعيينات السابقة، سواء بالانتماء إلى مدرسة إبداعية واحدة، أم في تقديم صورة توافقية تامة، مع كل ما يطرح من آراء ثقافية أو إدارية، من دون اتخاذ أي موقف معارض. لذلك كانت بعض الأصوات الشابة المتمردة آنذاك على مجالس الإدارات المعينة من قبل الوزارة، والتي خلت تماماً عند تعيينها من أي عنصر شاب، وجدت نفسها سريعاً خارج دائرة الاهتمام، في زمن كانت منابر النشر فيه محدودة، فلم تعط الشباب مساحة لإقامة الندوات والأمسيات، كما لم تنشر دراساتهم ونصوصهم. وكانت تستبعد أسماء الشباب من الدعوات التي توجه سواء من وزارة الإعلام (الثقافة والإعلام الآن) أم من الجهات الرسمية والأهلية. وبحكم تغير المعطيات الثقافية، والأدوات والوسائل المستخدمة كالإنترنت مثلاً، وأيضاً المناخ العام، كونت فئة الشباب خطاباً ثقافياً متعارضاً مع الخطاب القديم، يقدم نفسه على أنه «مُنشق» عن هذه المؤسسات التي وصفوها ب «الخاملة» و «البيروقراطية»، ويتهمها البعض بأنها هي من «قتل المشهد الثقافي السعودي، ولم تقدم له أي فائدة، سوى الوجاهة للأفراد، لا للفكر والأدب». وظل هذا الطرح مسيطراً ومتفشياً بين غالبية المثقفين الشباب، الذين لجأوا إلى منتديات الإنترنت، وإلى «الصالونات» الأدبية، لتقديم أنفسهم، من دون أن يشكل لهم النادي الأدبي أي هاجس، للحضور والتفاعل مع ما يقدمه من نشاطات. لكن ذلك التيار الشبابي شهد انقساماً على نفسه، حالما تم إقرار لائحة الأندية الأدبية الجديدة، التي تعطي الصلاحيات بإنشاء جمعيات عمومية، مُخولة انتخاب مجالس إدارات الأندية. وبحكم انتشار الثقافة الحقوقية بين الشباب، وحرصهم على الانخراط في تجارب مدنية تشكل جزءاً من طموحهم الديموقراطي، بادر عدد منهم إلى الترشح للانتخابات، وطرح أنفسهم بشعار «فكر جديد، لجيل جديد». وكان اللافت أن التقاتل على الكرسي لم يكن همهم الأكبر، بقدر ما كان الهم إيصال رسالة للجميع، بأنه يجب أن يكون في الأندية عناصر شابة، تواكب العصر وتعكس رغبات الجيل وطموحاته وأفكاره. ولم تجد المبادرة ترحيباً من بعض من تربع على الكراسي فترة طويلة، فحاربوها من تحت الطاولة لكنهم فشلوا في الغالب، وكسب عدد من الشباب التحدي، وظفروا بعضوية المجلس، ومنصب إداري أحياناً. ومن خلال التجارب التي شهدتها الأندية في انتخاباتها الأولى بين عامي 2011 و2012، برزت إشارتان مهمتان، ساهمتا في تحجيم دور الشباب في مجالس الأندية الأدبية، على رغم كل المحاولات التي يبذلونها. الأولى هي قلة عددهم، وسيطرة كبار السن على غالبية مقاعد المجلس. والثانية «البيروقراطية» التي تحكم أنظمة المؤسسة وآلية العمل فيها. والعقبة الأصعب التي يواجهها هذا التيار الشاب، ابتعاد كثيرين عنها ممن لا يزالون ينظرون إلى «الأندية» بشيء من الازدراء وينادون بمقاطعتها.