بعد خمس سنوات من الحصار والمعاناة، تنفس الفلسطينيون في مخيم نهر البارد الصعداء، بعد انتزاعهم قراراً من الحكومة اللبنانية يقضي بإلغاء تصاريح الدخول الى مخيمهم والخروج منه، بعدما كانت شرطاً على السكان والزائرين. كذلك أفرج الجيش اللبناني عن 11 موقوفاً كانوا محتجزين على خلفية إشكال حدث بين أهالي المخيم والجيش الذي يفرض طوقاً أمنياً، سقط على أثره 2 من أبناء المخيم، إضافة إلى نحو 70 جريحاً، في وقت بدأ الجيش بتسليم جزء من الأحياء والبيوت التي كان يسيطر عليها، بما فيها المقبرة وملعب كرة القدم الأكبر في المخيم. وجاء هذا الإنجاز بعد أكثر من شهر على اعتصام مفتوح قامت به مجموعة من الشباب، المنتسبين وغير المنتسبين الى التنظيمات الفلسطينية، الا أنه لم يكن بطلب من فصائلهم، ذاك أن اهالي المخيم انتفضوا لتغيير واقعهم وللتخلص من الإجراءات الامنية الخانقة التي يعتبرونها مذلة. المشكلة بدأت مع محمد الوحش، الذي حاول عناصر من الجيش مصادرة دارجته النارية أثناء دخوله المخيم، لكنه فرّ مسرعاً الى بيته رافضاً تسليم الدراجة، التي أكد أنها قانونية ويملك أوراقها الرسمية، بما فيها الرخصة. وبغض النظر عن صحة تصرف الوحش أم لا، فإن ردة فعل الجيش جاءت عنيفة، إذ قامت دورية بملاحقته الى أن وصلت الى منزله، حيث جرى تلاسن بين الوحش والضابط، الذي قام على الأثر بضرب الوحش ضرباً مبرحاً ببندقية حربية وإهانة عائلته، فتطور الإشكال وتدخل فيه أبناء الحي، ما أدى إلى اعتقال العديد منهم. وانفجر غضب الأهالي، وفي مقدمهم الشباب، فأعلنوا الإضراب العام والاعتصام المفتوح، بعدما شعروا أن الأمر وصل الى مستوى لم يعد يُحتمل، فالاحتقان يتزايد منذ سنوات خمس عانى خلالها اللاجئون من عسكرة مفروضة على المخيم تعوق حرية الدخول والخروج وتؤخر إعادة إعمار بيوتهم المدمرة (80 في المئة من البيوت لا يزال ركاماً). كان الاعتصام عفوياً، وشمل شوارع المخيم المحاصر الرئيسية، حتى أن المعتصمين رفضوا في البداية مشاركة مسؤولي بعض الفصائل، لشدة غضبهم، ولاعتبارهم أن تقصير الفصائل وانقسامها وتملق بعض أئمة المساجد... هو ما سمح بالتمادي معهم، كذلك رفضوا ان يُستخدم الاعتصام للتغطية على فشل هؤلاء في تحقيق تطلعات اللاجئين الفلسطينيين، وللظهور وكأنهم يقودون الشعب، حتى أن مسؤولين في فصائل رئيسية كانوا يطالبون بفك الاعتصام بعد تلقيهم وعوداً شفوية من دون أي ضمانات من قادة في مخابرات الجيش اللبناني حين كانوا يلتقونهم بشكل فردي. وجرى بعد ذلك تنظيم الاعتصام، وتشكلت لجنة غالبيتها من الشباب ضمت عدداً من وجهاء المخيم، انضم إليها مندوبان عن الفصائل للتواصل مع الجهات الرسمية اللبنانية. عمل المنظمون في البداية على حصر الاعتصام في مكان واحد، وفتحوا جميع الطرقات ليعود سكان المخيم الى أعمالهم بشكل طبيعي، مع استمرار الاعتصام بصورته السلمية لتحقيق المطالب، ووضعوا برنامجاً سياسياً وثقافياً لتماسك المشاركين واستثمار حضورهم. وكان من أبرز نشاطات الاعتصام اللقاءات الحوارية المباشرة بين المثقفين والسياسيين وبين الشباب، كذلك نُظمت أمسيات شعرية وعُرضت ليلاً أفلام وثائقية تتعلق بحياة اللاجئين، فضلاً عن عروض مسرحية وثقافية. ويقول حمزة خضر مسؤول العلاقات العامة للتحرك الشبابي، إن الفضل في تحقيق هذه الانجازات يعود للشباب، الذين انتفضوا ضد الحالة العسكرية وضد الفصائل أيضاً، كي تكون موحدة وتأخذ دورها، موضحاً أن الشباب ليسوا في حالة عداء مع الجيش، هم فقط لديهم مطالب ويريدون الاستجابة لها. أما التحدي الأصعب، فكان الإعلام اللبناني، الذي صور الاحتجاجات على أنها اشتباكات واعتداء على الجيش، من دون التحقق مما يجري على الارض، خصوصاً أن وسائل الاعلام تُمنع من الدخول الى المخيم إلا بإذن مسبق يستغرق الحصول عليه عشرة أيام.