ارتفع عدد الخبراء في ألمانيا ودول اخرى، الذين يعتبرون اعتماد التقشف وحده «أمراً خاطئاً ولا يؤدي إلى حل أزمة العجز المالي في منطقة اليورو». وحضّوا على ضرورة «وضع حوافز جديدة لتسيير عجلة الاقتصاد مجدداً». وزاد طلب إسبانيا وقبرص أخيراً الحصول على دعم مالي من مظلة الإنقاذ الأوروبية، سوداوية صورة منطقة اليورو التي تضم خمس دول متعثرة مالياً، هي اليونان وإرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا من أصل 17 دولة. وفي نداء وجهوه أول من أمس إلى حكومات منطقة اليورو، حذر 17 خبيراً وباحثاً أوروبياً فيه من «السماح بتصعيد خطير لأزمة المال الراهنة، والتقليل من خطر إفلاس اليونان على اقتصادات أوروبا، والتقاعس عن تقديم النجدة المالية لمن يحتاج إليها». وإذ أشاروا في ندائهم، إلى أن التضامن المالي هو «الطريق المؤدية إلى التغلب على أزمة اليورو»، دعوا إلى إنشاء «صندوق إيفاء الديون» مشترك لإبعاد الدول المتعثرة عن سطوة الأسواق المالية المقرِضة والفوائد المرتفعة التي تطالب بها». ورأى الخبراء، أن مظلة الإنقاذ الأوروبية بقوتها المالية الحالية من 700 بليون يورو «صغيرة الحجم والقوة، ولا تكفي وحدها لمواجهة الأزمة». ودعوا البنك المركزي الأوروبي إلى «استخدام الوسائل التقليدية وغير التقليدية لتعزيز النظام المالي والدفاع عنه، ما يعني عودته إلى شراء سندات حكومية من الدول المتعثرة بفوائد مخفوضة». وكانت القيادة الحالية للبنك قررت قبل أكثر من شهر، وبعد انتقادات كثيرة وجهت إليها، التوقف عن الشراء والتزام مهمتها الرئيسة المحددة بالحفاظ على الاستقرار المالي لليورو ومنع التضخم. وتخوف خبراء ومسؤولون، من أن تلحق إيطاليا بالركب نظراً إلى الثقل الذي تمثله كقوة اقتصادية ثالثة في أوروبا بعد ألمانيا وفرنسا وقبل إسبانيا، عقب خفض الوكالة الأميركية «موديز» مجدداً تصنيف وضعها المالي، ووضع 13 مصرفاً إيطالياً قبل نحو أسبوعين، ما سيزيد أخطار عجز روما عن دعم المصارف، وبالتالي طلب الدعم من مظلة الإنقاذ الأوروبية كما فعلت إسبانيا. وكان وزراء مال الاتحاد الأوروبي اتفقوا قبل أيام على إقراض إسبانيا 100 بليون يورو لدعم قطاعها المصرفي وزيادة رأس مال المصارف فيها، بعد موافقة معظم برلمانات الدول الأوروبية على التسليف. وتبلغ حصة المشاركة الألمانية في المبلغ 29 بليون يورو. وسبق ذلك إعلان مدريد بدء خطة تقشف في كل المجالات، بهدف عصر النفقات العامة لتوفير 65 بليون يورو على الخزينة. كما قررت فرض رسوم وضرائب جديدة تسري اعتباراً من الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل، ورفع ضريبة القيمة المضافة من 18 إلى 21 في المئة، ما أدى إلى اندلاع اضطرابات اجتماعية فيها. خلاف شديد وتبقى مسألة التقشف الصارم مثار خلاف شديد في أوروبا، ويمثّل الخبير الألماني بيتر بوفينغر، أحد الموقعين على نداء ال 17 خبيراً، وأحد الحكماء الاقتصاديين الألمان الخمسة في البلاد الذين تستشيرهم الحكومة، فريقاً من الخبراء الذين يعتقدون بأن الدول المتعثرة «ستبقى مهددة بالإفلاس حتى ولو نفذت تقشفاً صارماً». وقال بعد انعقاد القمة الأوروبية الأخيرة، إن «أزمة اليورو هي أزمة نظم لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال عمل مشترك لكل الدول الأعضاء». وذكّر هنا بما اقترحه في هذا الشأن منذ فترة «مجلس خبراء الاقتصاد الألماني» الذي تبناه حالياً الخبراء الأوروبيون ال 17، ويتمثّل في إقرار «معاهدة لتسديد مشترك ومحدود لديون الدول المتعثرة، مرفقة بشروط صارمة وبخطة ملزمة لدفع الديون وفوائدها». ورفضت المستشارة أنغيلا مركل حتى الآن هذا الاقتراح وكذلك دعوة المجلس إلى «شراء أوروبي مشترك للسندات الحكومية في الدول المتعثرة، شرط إنشاء هيئة رقابة مشتركة على موازنات هذه الدول». وأضاف بوفينغر، أن إعادة الاستقرار إلى اليورو «غير ممكنة من دون تعزيز الاندماج المالي في أوروبا، وكذلك دور البرلمان الأوروبي على مصلحة البرلمانات الوطنية». صندوق مشترك وأيّد «معهد الاقتصاد الكبير وبحوث النمو» في ألمانيا اقتراح مجلس الخبراء الألماني، الداعي إلى إنشاء صندوق مشترك ومحدود مالياً وزمنياً لتسديد ديون الدول المتعثرة. ووصف ذلك ب «الاتجاه الصحيح». كما أيّد تمديد الفترة الزمنية المحددة لهذه الدول لتنفيذ خطط التقشف المالي. ودعا «إلى إقرار استثمارات إضافية في مجالات التعليم والبنية التحتية ورعاية الأطفال، لتقديم حوافز جديدة لاقتصادات الدول العاجزة مالياً». وفي المقابل تصدّر مدير معهد «إيفو» هانس فيرنر زِن أحد أهم الخبراء الألمان، مؤيدي وجهة نظر المستشارة وحكومتها، محذراً بشدة من فكرة «شراكة الديون» على قاعدة تكوين وحدة مصرفية، كما بُحثت في القمة الأوروبية الأخيرة، أو من خلال شراء مشترك للسندات الحكومية. ولفت زِن، إلى أن مظلة الإنقاذ المالية الأوروبية «مزودة حالياً ب2.1 تريليون يورو، لكن حجم العجز المالي لإيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان وإرلندا يصل إلى 3.3 تريليون يورو، فيما تبلغ ديون مصارف هذه الدول 9.2 تريليون يورو». ولفت إلى أن هذه المبالغ «تفوق قدرة دافعي الضرائب مجتمعين». وإذ دعا إلى تحميل المصارف جزءاً من الخسائر، جدّد مطالبته «بخروج اليونان من منطقة اليورو على أن تعود إليها بعد استعادة تنافسيتها». لكن خبراء كثراً، وكذلك مركل، واصلوا التحذير من خطورة مثل هذه الخطوة على بقاء اليورو كعملة موحدة، وعلى استمرار الوحدة الأوروبية أيضاً. من هنا عدم فهم البلبلة التي وقعت في الأيام الماضية في برلين، بعدما حضّ وزراء في حكومتها اليونان على الخروج من منطقة اليورو، واعتبروا أن إفلاسها «لم يعد يشكل خطراً على اقتصادات أوروبا كما كان الأمر قبل سنتين». الوحدة النقدية وفي هذا المجال ناقض الخبير بوفينغر مع زملائه ال 16 هذا الاستنتاج، مشدداً على أن الوحدة النقدية هي التي «تضمن مواجهة أفضل للمضاربات التي تمارسها الأسواق المالية ضد اليورو، وتسمح بالتدخل في موازنات الدول المتعثرة لضبطها». وقال: «يجب أن يعرف الساعي إلى إعادة المارك أو الفرنك أو الليرة، أن مصير اقتصادنا سيقع عندها كلياً في أيدي المضاربين بالعملات الصعبة». وأوردت وكالة «رويترز»، أن معهد «إيفو» لفت إلى «تراجع معنويات الشركات الألمانية للشهر الثالث في تموز (يوليو) الجاري، لتصل إلى أدنى مستوياتها خلال 28 شهراً، في إشارة إلى أن اشتداد أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو مجدداً يؤثر سلباً على الشركات في أكبر اقتصاد في أوروبا». وأوضح أن مؤشره لمناخ الأعمال الذي يعتمد على مسح شهري لنحو 7000 شركة، «انخفض إلى 103.3 هذا الشهر، من قراءة حزيران (يونيو) المعدلة 105.2 ، وهو أدنى مستوى منذ آذار (مارس) عام 2010».