بلقنة الإنترنت. ربما رأى بعضهم أيضاً أنها بداية عصر ذهبي للشبكة الإلكترونية الدولية. ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها الإنترنت الى إجراء جذري يغيّر شكلها وهندستها، لكن الاجراء الذي أقرّته «هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المعتمدة» Internet Corporation for Assigned Names & Numbers، واختصاراً «آيكان» ICANN، أثار نقاشاً لم يهدأ حول مستقبل هذه الشبكة، إذ أعلنت «آيكان» التوسّع في أسماء النطاق، ضمن مشروع سمّته «أسماء النطاق العليا الصنفيّة» Generic Top Level Domains. وللإيضاح، ففي عناوين مواقع الإنترنت، تظهر أسماء النطاق العليا في اللاحقة التي ينتهي بها العنوان. وحاضراً، لا تضم أسماء النطاقات سوى 22 لاحقة معتمدة: مثل: «.كوم» (com.)، «.نت» (net.)، «.أورغ» (org.)، «.إديو» (edu.)... وغيرها. ويضاف إلى هذا العدد اللواحق المتّصلة بالبلدان، مثل: «.إي جي» (eg.)، «.أل بي» (lb.)، «.أف آر» (fr.)... وغيرها. ومنذ عام 1998، تتولى «آيكان» إعطاء أسماء النطاق وإدارتها وتنظيمها واعتمادها عالمياً، مع العلم أنها هيئة مستقلة وخاصة، مقرّها الولاياتالمتحدة. «.بيبسي كولا» و «.باريس» وأوضحت «آيكان» أن مشروع «أسماء النطاق العليا الصنفيّة» يعمل على توسيع اللواحق المتصلة بالعناوين الإلكترونية، بحيث تضم لواحق متّصلة بصاحب العنوان نفسه، فمثلاً بإمكان شركة «بيبسي كولا» للمشروبات الغازية أن تحصل على لاحقة تحمل اسمها في نهاية عنوان موقعها الإلكتروني، فتصبح لاحقة اسم النطاق العلوي «.بيبسي كولا». وعلى غرارها، من المستطاع توقع ظهور أسماء نطاق مثل: «.نايكه» «.باريس»، «.واشنطن بوست»، «.الحياة»... وغيرها. وفي سياق تبرير هذه الخطوة، كشفت وكالة «آيكان» ما يزيد على 1900 ملف تقدمت بها شركات كبرى للمطالبة بأسماء نطاقات جديدة مختلفة عن الأسماء المعتادة، وأُعطيت مهلة للشركات والمؤسسات والمنظمات والشخصيات الشهيرة، كي ترفع طلباتها ل «آيكان» بشأن الحصول على لواحق تتصل بكل واحدة منها. وبيّنت أنه للحصول على لاحقة لماركة معيّنة، مثل «.آبل» و «.تويوتا» و «.نوتيلا»، أو منتج معين، مثل «.كاميرا» و «.دراجة» و».حذاء»، يتعيّن على الطرف المعني دفع 185 ألف دولار لطلب اللاحقة المطلوبة، ثم 25 ألف دولار سنوياً. وجمعت «آيكان» ما يزيد على 352 مليون دولار بفضل الرسوم المفروضة على عملية تقديم الملفات. وسرعان ما ثارت نقاشات متنوّعة حول هذا الموضوع، ما دفع ب «آيكان» إلى فرض تجميد هذه الخطوة. وكشفت أن التجارب التقنية المبدئية على النظام المقترح، أدى الى نتائج وُصِفَت بأنها «غير متوقّعة»، إذ أظهرت التجارب أن النظام المقترح لأسماء النطاق أدى الى تباطؤ في عمل الشبكات، إضافة الى ظهور مشاكل في نظام عمل الإنترنت بصورة عامة، خصوصاً في عمليات البحث عن البيانات والمعلومات على محرّكات البحث في ال «ويب». ولذا، فرضت «آيكان» تجميداً على المشروع، مشيرة الى أنها تستمر في الاستماع الى آراء الجمهور والاختصاصيين، قبل أن تعيد النظر في هذا التجميد. ولم تحدد زمناً لرفع التجميد عن مشروعها لتوسيع أسماء النطاق. في المقابل، رأى بعض المحللين أن تجديد طريقة كتابة العناوين الإلكترونية، بات أمراً ضرورياً بأثر عوامل تشمل حصول زيادة ضخمة في أعداد مستخدمي الإنترنت. وفي هذا الصدد، بيّنت «آيكان» أن عدد المستخدمين الثابتين للإنترنت يزيد على بليوني مستخدم، بينهم نصف بليون في آسيا. عصر ذهبي ولكن... وعلّق بهافين توراخيا رئيس شركة «ديريكتي» الإلكترونية التي طلبت تسجيل 31 لاحقة خاصة بأسماء النطاقات، على المشروع المقترح بأنه «بداية عصر ذهبي في تاريخ الإنترنت». وعلى رغم وعود «آيكان» بإعطاء فرص متعددة للحصول على أسماء نطاقات، بدا توراخيا متأكداً من أن اللواحق الأعلى مردودية ربما تنفد في الفرصة الاولى، إذا جرى اعتماد هذا المشروع. وأنفقت شركة «ديريكتي» (ومقرها دبي) قرابة ثلاثين مليون دولار لتحصل على لواحق مثل «.قانون» و».بنك» و».دكتور». ويتيح المشروع المقترح الإتجار باللواحق وإدارتها، بعد الحصول عليها. وطلبت شركة «أرتيميس» (مقرّها سان فرانسيسكو) المتخصصة في أمن الإنترنت، شراء لاحقة «.سيكيور» (آمن)، كي توضع على المواقع الإلكترونية التابعة لها، للإشارة إلى أنها تستعمل أدوات لمكافحة القرصنة والفيروسات والاحتيال عبر الشبكة. في سياق متّصل، أوضحت «آيكان» أنها ستعمد إلى إجراء تحقيق واسع بعد فترة من بيع أسماء النطاق الجديدة، بهدف التعرّف الى الاعتراضات التي قد تثور على أسماء معيّنة، كأن تتضارب مع أسماء اخرى. وفي حال حدوث طلب من جهات متعددة للاحقة محددة، تلجأ «آيكان» إلى إجراء مزاد علني لبيع هذه اللاحقة. ووُجهت ل «آيكان» انتقادات متنوّعة، أبرزها أنها أجبرت بعض المؤسسات والجمعيات على دفع مبالغ طائلة بغية الحصول على أسماء نطاقات عامة، تحت ذريعة حماية تلك الأسماء من سوء الاستغلال. وقبل سنتين، سمحت «آيكان» باستخدام اللغات المحلية في كتابة اللواحق المتّصلة بالبلدان، ما أثار نقاشاً عن تأثير الأمر على عمليات البحث عن العناوين والبيانات على الإنترنت، خصوصاً أن جمهور هذه الشبكة عالمي بالتعريف، إضافة الى انتشار بعض اللغات على الإنترنت أكثر من غيرها. ويخشى بعضهم أيضاً أن تفرض بلدان معينة حظراً على فئات من المواقع الإلكترونية على أساس لاحقتها، ما قد يؤدي إلى «بلقنة» الإنترنت. وبصورة عامة، يميل بعض المحللين للقول إن الإنترنت تشهد تنازعاً مستمراً بين اتجاهين كبيرين أساسيين: التمركز الفائق واللامركزية المتوسّعة. ويعطي موقع «فايسبوك» مثالاً عن الميل الى التمركز الفائق، اذ تخضع أعداد مليونية من جمهور الإنترنت لقواعد يفرضها طرف معيّن، وبالحدّ الأدنى من حضور إرادة الجمهور. وفي المقابل، تقدّم المُدوّنات الإلكترونية والممارسات المتصلة بظاهرة «صحافة المواطن»، نماذج من الميل الى اللامركزية في عمل شبكة الإنترنت. ولهذا النقاش بقية.