في ظل استمرار رهان ادارة الرئيس باراك أوباما على «حل سياسي» للأزمة في سورية، واستبعاد الخيار العسكري أو أي دور أميركي في تسليح المعارضة، يتوقع المراقبون معركة طويلة بين النظام ومعارضيه حتى نضوج معادلة دولية تضغط على الحكم السوري أو تحرك اقليمي - تركي يغير المعادلة على الأرض. ويقول الخبير في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ديفيد شانكر ل»الحياة» أن غياب «دور قيادي» أميركي في في التعامل مع سورية «يطيل الأزمة ويزيد تعقيداتها في المدى الأبعد». ويفسر عدم الحضور القوي لهذا الدور اليوم بتردد الادارة في لهجتها عند الحديث عن الخيارات المتاحة في سورية، واستبعاد الخيار العسكري وهو ما عبّر عنه أوباما في مؤتمره الصحافي مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ولاحقاً وزير الدفاع ليون بانيتا، والتأكيد على أن الأولوية هي ل»الحل السياسي... وإيجاد هبوط آمن» للأزمة هناك. ويحرص المسؤولون الأميركيون على التزام الغطاء الدولي في أي تحرك حيال سورية، ما يفرض اليوم ايقاعاً ديبلوماسياً حذراً لاسترضاء الجانبين الروسي والصيني المعارضين لأي تدخل عسكري. كما تجبر الحسابات الداخلية الأميركية، سواء كانت انتخابية أو اقتصادية، حذراً من البيت الأبيض في التعامل مع الأزمات الخارجية، وتحاشي فتح جبهة شرق أوسطية جديدة بعد الانسحاب من العراق والتطورات في أفغانستان. ويرى شانكر، الذي كان مسؤولاً في وزارة الدفاع الأميركية خلال رئاسة جورج بوش، أن واشنطن ترتكب خطأ آخر برفضها تسليح المعارضة السورية وتحديداً «الجيش السوري الحر». ويقول أن سورية دخلت «بدايات الحرب الأهلية... والأزمة تتم عسكرتها سواء سلحت واشنطن المعارضة أم لا». ومن هذا السياق يعتبر أن «من مصلحة الولاياتالمتحدة، تماشياً مع رغبتها في إسقاط نظام الأسد، استخدام جميع الأدوات الممكنة للوصول الى هذا الهدف». وينوّه الى خطورة بقاء واشنطن على الحياد مع تلويح دول أخرى مثل قطر والسعودية بتسليح المعرضين، محذراً من سيناريو ليبي و»ظهور 300 ميليشيا مسلحة بعد سقوط النظام». ويرى في انخراط واشنطن في تأهيل صفوف الجيش الحر ورصها «ضرورة لتأسيس قيادة لهذا الجيش». وكانت القيادة العسكرية الأميركية تحدثت في جلسات الاستماع أمام الكونغرس عن «وجود أكثر من 100 مجموعة معارضة على الأرض» وتخوفت من تسلل عناصر من تنظيم «القاعدة» الى مجموعات الثوار. ويتوقع شانكر ردة فعل عكسية لهذه السياسة، بحيث سيساعد بقاء الادارة الأميركية على مسافة مما يجري داخل المعارضة في جعل هذه التنظيمات أكثر تطرفاً ما سيؤذي واشنطن في المدى الأبعد ويزيد من تعقيدات المرحلة الانتقالية. وتراهن واشنطن على اختراق سياسي، إما في مجلس الأمن، مع حديث الخارجية الأميركية عن «تقاطع أكبر مع الموقف الروسي»، أو في انقلاب عسكري يهيئ لمرحلة انتقالية سريعة. وسيؤدي أي تغيير في الموقف الروسي الى «تضعضع في دائرة الأسد» بحسب شانكر والى انشقاقات سياسية. غير أنه يتجنب الافراط في التفاؤل حيال حدوث تغيير قريب في موقف موسكو، ويشير الى أن روسيا خسرت ما قيمته أربعة بلايين دولار من عقود الأسلحة الليبية ولا تريد المجازفة بمبالغ أكبر في سورية، الى جانب وجودها في مرفأ طرطوس ومع استثمارات وصادرات تتجاوز ال20 بليون دولار. ومع القلق من أن الحديث عن الخيار العسكري أو تسليح المعارضة سيزيد التعنت الروسي ويُعقد العلاقات الروسية - الأميركية والتعاون في ملفات أخرى بينها ايرانوأفغانستان، يعتبر شانكر أن زيادة الضغط على نظام الأسد هو السبيل الوحيد لتسريع نهاية الأزمة. ويعتبر أن اعتماد الخيار العسكري سيساعد في انشقاق الجيش وسيفرض تغيير حسابات النخبة السياسية، كما يرى في تسليح المعارضة وسيلة تُعطي واشنطن تأثيراً على الأرض لتغيير المعادلة «المعسكرة أصلاً». وعن الخيار التركي واحتمال إقامة مناطق عازلة، يعتقد الخبير أن موقف أنقرة انحصر بالجانب الانساني واستضافة المعارضة، وأن نقلة نوعية الى خطوات أمنية ملموسة سيساعد في زيادة الضغط على دمشق عسكرياً وسياسياً، خصوصاً أن الجيش السوري والوحدات المكلفة القمع تعمل فوق طاقتها وليس لديها الامكانات لضرب مناطق عازلة قد تؤسسها أنقرة. وفي حال عدم تغير المعطيات الحالية يتوقع شانكر استمرار الأزمة لسنوات مع عجز المعارضة عن الحسم، وعدم قدرة النظام على استعادة نفوذه وضبط الوضع سياسياً واقتصادياً وأمنياً أو كسر عزلته الاقليمية والدولية.