إذا كان أهم ما يميز الحياة الفنية - التشكيلية في العراق هو تعّدد وجوه الرؤية الفنية فيها فإن تعدد أساليب تجسيد هذه الرؤية هو ما يضفي على هذه الحياة، حركية وغنىً وتنوعاً... وإذا كان لفن الخزف (السيراميك) في حاضر هذا الفن تاريخه ومنجزه المتمّيز، فإن ظهور وجوه جديدة فيه هو ما يشكل الإضافة الفعلية، والمستمرة الى واقع هذا الفن، ويعزز منجزه. ومن هذه الوجوه الفنان محمود عجمي الذي قدم نفسه في معرض شخصي ضمّ أعماله في ما يعرف ب «النحت الفخاري» جامعاً إياها تحت عنوان «من ذاكرة سومر» (قاعة مدارات – بغداد). في هذا المعرض عنصران بارزان ومهمان في تجربة الفنان، وفي حاضر الفن العراقي، أولهما: التحول بفن الخزف من كونه «مادة استخدام يومي» أو «سلعة تزيينية» الى فن له مقوماته التشكيلية، وإن يكن خزافيون عراقيون قد نحوا بهذا الفن مثل هذا المنحى، مقدمين أعمالاً متميزة. أما العنصر الثاني فهو استلهام المنابع الأولى لحضارة بلاد الرافدين (السومرية) في بناء رؤيته الفنية الجديدة وقد أخذت أبعادها التكوينية، سواء في تجسيد الأشكال، أو في تمثيلات الرموز، وفي أبعاد الصراع الذي عبّرت عنه أعمال فنية من تلك الحضارة وجسدته على نحو تداخلت فيه الأسطورة مع الواقع. إن الفنان، وهو يضع عنواناً جامحاً لمعرضه (من ذاكرة سومر) قصد منه الى ما هو أبعد من مكونات تلك الحضارة بذاتها، الى تحقيق رؤية الفنان لتشكيلاتها التي اتخذت، في أعماله، أشكالاً متعددة استطاع تقريبها من عين المشاهد، وكأنه ينظر إليها من خلال عدسة جامعة لتفاصيلها في أصغر الحجوم، مغايراً ومتغايراً فناً، مع معظم زملائه الذين نهجوا هذا النهج في الفن الفخاري. فضلاً عن أنه جعل عمله هذا أقرب الى اللوحة، منه الى التمثال، ما أتاح له مدى أوسع في التنفيذ الذي أتاح لعنصر الحركة في العمل أن يكون واضحاً، وهو عنصر أساس ومهم في النحت العراقي، نجده في التأسيسات الحداثية الأولى لجواد سليم، كما نجده في أعمال خالد الرحال ومحمد غني وإسماعيل فتاح – مع التأكيد على ان لهذا الفنان أسلوبه في تمثيل هذه الحركة وفي تقنيات التعبير عنها. وفي الوقت الذي يمثل هذا المعرض خطوة متقدمة في فن الخزف العراقي، فإنه أيضاً، يمثل خطوة متقدمة في حقل الإبداع الفني عموماً، بما للأعمال الفنية التي اجتمعت فيه من بنية إبداعية متميزة.