يدور في مصر هذه الأيام حوار ساخن حول مسألة الترشح للرئاسة وسط خلافات عدة حول مسائل قانونية تتعلق بجنسية المرشحين وأصولهم – التي تتعارض مع الدستور – أو بوضعهم القانوني وسجلهم المدني، وتهرّب بعضهم من الخدمة العسكرية أو حصول بعضهم على جسنية أخرى غير المصرية، أو تاريخ بعضهم (المشين) في دعم النظام الاستبدادي السابق في مصر. وبرز المهندس (خيرت الشاطر) نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في مقدمة المترشحين، في الوقت الذي اصطف خلفه كثير من القيادات الإسلامية، وتنازل له البعض الآخر. وكان للإعلام المصري دور هام في تعزيز موقف (الشاطر) وتأثير ذلك على مواقف المنتخبين، والتخوف من حدوث صدام بين الجيش والجماعة الإسلامية على إثر إمساك الجماعة بزمام الأمور في السلطة التشريعية والتنفيذية إضافة إلى رئاسة الجمهورية. وكانت جماعة (الإخوان المسلمين) قد نكثت بوعدها الذي قطعته على نفسها بأنها لن تُرشح أياً من أعضائها للرئاسة، إلا أنها عادت وأعلنت السبت (قبل الماضي) أن (الشاطر) سيكون مرشحها الوحيد لخوض سباق الرئاسة. وتسبب ذلك في وجود انشقاقات داخل الجماعة نفسها، حيث أعلنت مجموعة من شباب الإخوان معارضتها ترشيح (الشاطر). كما أعلن قيادي في حزب (الحرية والعدالة) معارضته ترشيح عضو من الجماعة للرئاسة. وأضاف في صفحته الخاصة على (الفيسبوك): «من الظلم للإخوان وللوطن أن يتحمل فصيل واحد مسؤولية كاملة في مثل هذه الظروف». كما أعلن عبدالله الأشعل أحد المرشحين للرئاسة انسحابه من ماراثون الرئاسة لصالح (الشاطر) مشيراً إلى أن ترشح أحد منتسبي (الإخوان) يُعتبر تضحية جديدة من جانب الجماعة في المواجهة بينها وبين بقايا النظام السابق. في حين اعتبر البعض أن هذا الترشح يمكن أن يجهض المشروع الإسلامي الذي أخذ ثمانين عاماً من الحرص والتدرج للوصول إلى السلطة. ومما عقّد المسألة في أولها إعلان (الشاطر) أنه سيعمل على تكوين مجموعة من أهل (الحل والعقد) لمعاونة البرلمان، لتكون الشريعة الإسلامية مشروعه الأول والأخير. ويسعى برنامج (الشاطر) تحت شعار (دولة إسلامية وطنية دستورية ديموقراطية تقوم على مرجعية الشريعة الإسلامية). ولقد ساد جدل طويل ومثير حول مسألة (مبادئ الشريعة) و(أحكام الشريعة) التي وردت في الدستور. كما أعلن اللواء عمر سليمان – نائب رئيس الجمهورية (عسكري من النظام السابق) ترشحه للرئاسة بعد أن انسحب منها معللا «إنني جندي لم أعص أمراً طوال حياتي. فإذا كان هذا الأمر من الشعب المؤمن بوطنه، لا أستطيع إلا أن ألبي هذا النداء وأشارك في الترشح»! ولقد انتقد كتاب مصريون موقف (سليمان)، لأن الثورة خلعت عمر سليمان مع مبارك، فكيف يطل من جديد بعد سنة وشهرين من الثورة، ولربما يحلف اليمين الدستورية بعد شهرين آخرين! أي ثورة هذه التي يفترض أن تقتلع نظاماً فاسداً من جذوره بكل سياساته ورموزه وأركانه كباراً وصغاراً فإذا بواحد من أبرزهم وأخطرهم وأقساهم يريد أن يكون رئيساً لمصر الثورة !؟( طه خليفة – الراية – 8/4/2012). كما أعلن حزب الوفد عن ترشيح عمرو موسى لخوض انتخابات الرئاسة. وتزامناً مع الجدل الرئاسي في مصر، ومجيء « فكرة « السلطة بعد ذهاب «سكرة» الثورة، قام وفد من جماعة (الإخوان المسلمين) بزيارة «مريبة» إلى الولاياتالمتحدة، قيل عنها ل»تزيين صورتهم» من خلال اجتماعات مكثفة مع مسؤولين في البيت الأبيض وخبراء معاهد أبحاث. وتبديد أي مخاوف من تَبوؤ (الإخوان) سدة الرئاسة في مصر، خصوصاً تجاه موقفين هامين هما: علاقة الجيش بالإخوان، وموقفهم من المساعدات الأمريكية التي تقدم إليه (5'1 مليار دولار سنوياً) وكذلك تأثير وصولهم إلى السلطة على أمن إسرائيل والتزامهم بمعاهدة السلام . وذكرت صحيفة (كومير سانت) أن هدف زيارة الوفد (الإخواني) للولايات المتحدة هو محاولة إقناع الإدارة الأمريكية بأنهم ليسوا أعداء للولايات المتحدة، وأن التعامل معهم ليس ممكناً فحسب، بل وضروي . ويرى فريق من المصريين أن هذه الزيارة ليست في وقتها، وأن محاولة (الإخوان) أخذ «مباركة» الولاياتالمتحدة في شأن مصري داخلي، أمر قد تكون له تبعات أخرى!.وفي الوقت الذي انسحب التيار الليبرالي والأقباط من لجنة صياغة الدستور، الذي سيطرت عليه أغلبية (إخوانية) تم اتهام (الإخوان) بتجاهل آراء الخصوم. كما أعلن حزب (النور) السلفي معارضته ل (أسلمة مصر)، رغم توجهاته الأصولية، وذلك نكاية ب(الإخوان المسلمين). في مقال للكاتب (جلال أمين) في جريدة (الشروق) أشار إلى أن مأزق الديموقراطية في مصر يتمثل في أن المجتمع «مزدوج الشخصية» في نواح كثيرة. وتساءل: من الذي ينتخب أو يعين لجنة وضع الدستور؟ وهل نراعي أن تُمثل المرأة والأقباط وشباب الثورة تمثيلاً مناسباً في هذه اللجنة؟ أم أن هذا ليس ضرورياً؟ وبسبب الاستقطاب الحاد، يرى الكاتب أنه على المصريين أن يختاروا بين: هل أنت معنا أم أنت خائن! هل أنت معنا أم أنت كافر!؟ قد تكون زيارة وفد (الإخوان المسلمين) إلى الولاياتالمتحدة أحد أهم المحكات الرئيسة التي ستغيّر الوجه السياسي لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله. وللحديث بقية.