دورات كرة قدم رمضانية، متابعة مسلسلات ليلاً والنوم نهاراً، تجمعات على ناصية الشارع حتى موعد صلاة الفجر، نشاطات تطوعية لتجميع «شنط رمضان» وتوزيعها على الفقراء، مجموعات تقف عند إشارات المرور وقت آذان المغرب لتوزيع التمر والكركديه على الصائمين في الشارع، وغياب تام لأي اهتمام بالسياسة أو حتى متابعة لنشرات الأخبار. كان هذا هو رمضان الشباب في مصر حتى عام 2010. لكن في عام 2011 وعلى رغم تزامن رمضان والصيف المصري النابض بالحر والرطوبة الخانقة، وعدم انشغال جموع الشباب والشابات بضغوط عام دراسي، يبدو رمضان 2011 ذا نكهة مختلفة. أغلب الظن أن ملايين المصريين الذين شاركوا في الثورة المصرية حين اندلعت في كانون الثاني (يناير) الماضي لم يخطر ببالهم أن يأتي عليهم شهر رمضان المبارك من دون أن تظهر ملامح واضحة لمصر الجديدة. وأكبر دليل على ذلك أن زينة رمضان، وفوانيسه الورقية، وعبقه الذي لا تخطئه عين أو يفوته قلب تتسلل إلى عاصمة الثورة المصرية من ميدان التحرير. حاتم غراب (26 سنةً) موظف في شركة متاخمة لميدان التحرير. يقول: «حين مررت من ميدان التحرير لأصل إلى عملي قبل أيام، بدأت دموعي تنهمر بعدما فوجئت بعدد من خيام المعتصمين وقد اعتلتها زينة رمضان. كما وجدت فانوس رمضان الشهير يتدلى من أحد عواميد الميدان. فأنا أنتظر رمضان بفارغ الصبر من عام لعام، وأعشق أجواءه، وعلى رغم ذلك راودتني مشاعر متناقضة يختلط فيها الفرح بالخوف من مستقبل مجهول للثورة ولمصر كلها». مشاعر غراب المتأرجحة بين الفرح والخوف تخالج الكثيرين اليوم. فرمضان هو رمضان، لكن أجواءه مختلفة، لا سيما بالنسبة إلى الشباب. فالحديث داخل خيام المعتصمين لا يتناول فقط مطالبهم، أو لقاءاتهم التلفزيونية المرتقبة، أو حتى مسيراتهم المستقبلية للتنديد بهذا أو المطالبة بذاك، لكنها تتطرق هذه الأيام إلى الاستعدادات الخاصة بموائد الإفطار الضخمة المزمع إعدادها، هذا غير موائد السحور، وصلاة التراويح وغيرها من الإجراءات الرمضانية الاعتصامية. فئة شبابية أخرى تشارك في رمضان الثورة من قلب ميدان التحرير وهم الباعة الجوالون الذين تتلون بضاعتهم بلون مراحل الثورة المختلفة. فمن ملصقات «25 يناير» وصور الشهداء وقمصان «بحبك يا بلدي» إلى فوانيس رمضان بالأحمر والأبيض والأسود. ويتوقع بالطبع أن ينضم إليهم عشرات الباعة من الشباب من بائعي مشروبات رمضان ووجبات الإفطار وأخرى للسحور لزوم التظاهر والاعتصام الرمضانيين. الثورة في رمضان ألقت بظلالها كذلك على نشاطات الشباب من ذوي الاتجاهات الدينية السياسية هذا العام، وبدلاً من الندوات الرمضانية المعتادة وتنظيم الدورات الرياضية المذيلة بمحاضرة دينية، عرفت مئات اللافتات طريقها إلى شوارع القاهرة والجيزة داعية شباب هذه المنطقة أو تلك إلى ندوة لمحاربة الشيطان في رمضان عقب صلاة العشاء، أو ورشة عمل أثناء الصيام لتنظيم جهود العمل التطوعي الخيري لأبناء منطقة بذاتها. نشاطات جماعة الإخوان المسلمين التي دعت الشباب في أوائل الإجازة الدراسية إلى نشاطات مختلفة تحت عنوان «صيف بلا معاصٍ» تدعوهم هذه الأيام إلى المشاركة في الكثير من النشاطات على أرض الواقع، منها ما يتعلق بمعارض ملابس بأسعار رمزية، وأخرى على هيئة قوافل طبية مجانية للكشف على سكان الأحياء، وغيرها. هذه النشاطات الرمضانية التي يقوم بها الشباب أشبه بعملية ضرب عصفورين بحجر واحد، فمنها نشاط صيفي رمضاني ومنها دعاية سياسية حقيقية لانتخابات باتت على الأبواب. أما رمضان الشباب الليبراليين فما زال يتخبط في برج الثورة العاجي حيث الندوات والاجتماعات التي يناقش أعضاؤها جدلية الدستور والمبادئ فوق الدستورية المزمع وضعها، وسبل التجهيز لانتخابات برلمانية، وحشد التأييد لمحمد البرادعي تارة، وحمدين صباحي تارة أخرى وغيرهما من المرشحين المحتملين للرئاسة، مروراً بسبل الرد على اتهامات المجلس الأعلى للقوات المسلحة لحركات شبابية بعينها، وغيرها من الملفات والقضايا التي – على رغم أهميتها – تزيد شعور كثيرين ببعدها عن تفاصيل حياتهم اليومية. وإذا كانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس دأبت على التغني بمحاسن الفوضى الخلاقة، فهناك بالفعل فوضى خلاقة تدور رحاها في الصيف الرمضاني هذه الأيام. ولأن الشباب المصريين بطبيعتهم يميلون إلى التنفيس عن ضغوطهم بإطلاق النكات والسخرية من الأوضاع بما في ذلك تلك التي تشملهم، فإن ساحات الشبكة العنكبوتية ومنتدياتها وأدواتها تزخر هذه الأيام بكم مذهل من الدعابة والنكات الشبابية اللاذعة ذات الطابع الرمضاني. وبالطبع، فإن دعابة رمضان تلونت بروح الثورة. فها هم الليبراليون يطالبون بتأجيل رمضان، متحججين بأن السلفيين وجماعة الإخوان فقط هم المستعدون لخوضه، في إسقاط على جدلية عدم استعداد التيارات الليبيرالية لانتخابات قريبة، ويرد الإخوان بأن هدفهم 50 في المئة من موائد الرحمن، وأنهم لا يسعون للكنافة والقطايف في هذه المرحلة في إشارة إلى تصريحات الجماعة بأنهم يسعون لنسبة صغيرة من مقاعد البرلمان، وهدفهم ليس الرئاسة حتى الآن. وتضيف الجماعة أن هناك من يسعى للالتفاف على نتيجة استطلاع هلال رمضان وهو ما يعود على اتهامات الجماعة للبعض بمحاولة الالتفاف على نتيجة استفتاء التعديلات الدستورية فيما يرد المرشح للرئاسة عمرو موسى بأن قدوم رمضان قبل العيد شيء مهم ومؤثر جداً، وعموماً فإن صوم رمضان خطوة إلى الأمام (في إشارة إلى تصريح موسى بأن قانون مجلسي الشعب والشورى هو خطوة مهمة نحو بدء الممارسة الديموقراطية). وفي خضم هذه الخلافات الميدانية الشبابية الثورية، يخرج رئيس الاستخبارات السابق عمر سليمان ليؤكد أن المصريين غير مؤهلين للصيام (وهو الذي صرح من قبل بأن المصريين غير مؤهلين للديموقراطية)، بل ويزيد أن هناك أياديَ خفية وأجندات أجنبية وراء قدوم رمضان في هذا الحر الشديد (وهو من بين من وجهوا اتهامات بوجود أجندات أجنبية تحرك الثوار). شباب مصر في رمضان هذا العام موزعون بين ميدان التحرير، ومواقع لجموع تابعين ل «آسفين يا ريس»، ومجموعات أخرى ذات توجهات سياسية دينية تعمل بسرعة على أرض الواقع لضمان الانتشار السياسي قبل الانتخابات، ومجموعات ليبرالية مدنية غارقة في ندوات وورش عمل، وشباب آخرون منشغلون بالسخرية من أنفسهم وممن حولهم!