فيما يلهو أطفال ويغنون في عالم بريء، يخرج أحدهم ليقترح تجربة إنتاج فيلم سينمائي يتناول الضغوط التي يتعرضون لها في حياتهم اليومية، ففعلوا واختاروا عنوان «ماريانا» للعمل الذي يؤدي أحد الأطفال دور مخرجه. بهذا المشهد يبدأ أول فيلم عراقي بالسريانية، من تمثيل 29 طفلاً وطفلة ترواح أعمارهم بين 10 و12 سنة، ويمتدّ 65 دقيقة. واختير الأطفال الممثلون من بين 500 طفل، وذلك خلال جولة واسعة على المدارس وتجمعات الأطفال ومنظمات المجتمع المدني. ويتناول الفيلم قصة «ماريانا» التي تعاني بسبب تصرفات والدها وإهماله واجباته اتجاه أسرته وأطفاله، إلى أن أوصلهم إلى مرحلة الإفلاس بعدما خسر كل أمواله بسبب إدمانه القمار، حتى اضطر لسرقة مصوغات زوجته. تصاب الطفلة «ماريانا» بالخرس بعدما كشفت أمر والدها، ومن هنا تسوق زلات الأب حياة الأسرة إلى الهلاك. يقول المخرج وكاتب سيناريو الفيلم رفيق نوري حنّا ل «الحياة»، في معرض شرح الهدف من فكرة اختيار الأطفال لتمثيل أدوار الكبار: «اختصاصي في الأصل في علم النفس، ووظّفت هذا العلم في الفيلم من خلال الثقافة النفسية أكاديمياً، والمعالجات التربوية النفسية، واعتبر أحد المخرجين الكبار أن الأطفال في هذا الفيلم يعالجون هفوات الكبار، وأنا بطبعي أحب أن أقدّم للمشاهد ما لم يألفه من قبل». بدأ حنا ترجمة الفيلم إلى الإنكليزية والعربية، على أمل الإنتهاء من ترجمته إلى اللغتين الكردية والسويدية قريباً، وهو يرفض فكرة دبلجته: «هناك ضرورة للحفاظ على روح الفيلم، ثم أن لدينا لغتنا، حالنا حال بقية الشعوب، ومن خلالها نسعى إلى إيصال رسالة عن حضارتنا وتاريخنا». واجه حنا عقبات عدة أثناء التصوير، لصعوبة التعامل مع عدد كبير من الأطفال الذين يمثّلون للمرة الأولى، وكان يستغرق تصوير مشهد من بضع دقائق أحياناً، ساعات عدة، ويستمر حتى أوقات متقدمة من الليل، ما أثار استياء أسرهم أحياناً، إلا أن مواقفهم تغيّرت بعد مشاهدة منجزات أبنائهم. واستغرق التصوير ثمانية أشهر. ونتيجة لغياب مراكز إبداعية متخصصة لاحتضان المواهب، يأمل هؤلاء الأطفال الذين عملوا تطوّعاً ومن دون تقاضي أي أجر، في أن تتبناهم جهات حكومية أو خاصة لتطوير قدراتهم ومواهبهم، في ظل غياب المحفزات والإمكانات المادية التي قد تصبح عقبة أساسية في طريق خلق أجيال تبرع وتبدع.