الأرجح أن غبار النقاش العالمي عن العقارين التجريبيين «زد مابّ» ZMapp (صنعته شركة «مابّ» Mapp الأميركية للأدوية في مقرها في «سان دييغو» في ولاية كاليفورنيا) و «تي كي آم- إيبولا» TKM- Ebola(صنعته شركة «تيكميرا» الكنديّة)، حال دون رؤية انجاز علمي بارز: اكتشاف دواء لعلاج فيروس «إيبولا» بفضل جهود أميركية أساسها العلم. واستطراداً، سجّلت أميركا سبقاً علميّاً تمثّل في أن دواء «زد ماب» كان أول ما ظهر على قائمة علاج «إيبولا». ولعل النقطة الأكثر أهمية هي أن العقار الأميركي هو أول دواء جرت تجربته على بشر ظهرت عليهم أعراض الإصابة بالحمى النزفية ل «إيبولا»، فأعطى نتائج سمحت بالقول إنه يستطيع علاج ذلك المرض. ولاستكمال صورة الجهود الأميركية، يجدر لفت الأنظار أيضاً إلى أن الشركة الكندية «تيكميرا» طوّرت عقار «تي كي آم- إيبولا» لمصلحة وزارة الدفاع الأميركية، عبر عقد قيمته 140 مليون دولار. وعلى عكس نظيره الأميركي، لم يجرب العقار الكندي على البشر، لكن تجاربه على القردة العليا أظهرت نتائج إيجابية كاملة، بمعنى أن نسبة الشفاء كانت 100 في المئة! البداية من ليبيريا بالاستعادة، أعطى خبراء في «مراكز ترصد الأمراض» العقار لمصابين أميركيين ضربهما الفيروس في ليبيريا في منتصف تموز(مايو) الفائت. ووفق مجموعة أشرطة فيديو وُضِعَت على الموقع الشبكي ل «سي أن أن» في الثلث الأول من الشهر الجاري، اظهر المريضان تحسّناً ملحوظاً. وابتدأ علاج الأميركيين بعد ظهور المرض عليهما أثناء وجودهما في ليبيريا. وحينها، تلقيا مصلاً تجريبياً (هو العقار «زد ماب») أرسل من «مراكز ترصد الأمراض» عبر منظمة «سماتاريان بيرس» الدولية غير الحكوميّة. إذ وظّفت تلك المنظمة المريضين (وهما طبيب ومساعدته)، في صفوفها، وانخرطا في جهود مكافحة انتشار الفيروس في ليبيريا. وبسبب قربهما من المرضى، ومع كثير من سوء الحظ أيضاً، التقط الأميركيان الفيروس القاتل. وأعيد الطبيب كنت برانتلي ومساعدته نانسي رايتبول إلى أميركا ونقلا إلى مقر «مراكز ترصد الأمراض» في «أتلانتا» لمتابعة العلاج. وفي سياق تغطيتها لتجربة إعطاء مصل «زد ماب» للمريضين الأميركيين، وصفت جريدة «ليبيراسيون» ذلك المصل بأنه «سري» بمعنى أنه مازال في طور تجريبي ولم يجرّب على بشر من قبل. كما نقلت «سي إن إن» أن تأثير المصل الذي يحتوي أجساماً مناعية مضادة للفيروس، جاء «أقرب إلى المعجزة»، في إشارة إلى سرعة تحسّن المريضين برانتلي ورايتبول. ولا تعبر كلمة معجزة إلا عن جزء مما يستطيع دواء ما فعله حيال انتشار وباء ما، عندما يجري اكتشافه في خضم انتشار ذلك الوباء. في المقابل، بدا طبيعياً أن يظهر تحفّظ علمي (تلاه تحفّظ سياسي أيضاً)، عن استخدام دواء بصورة تجريبية على البشر، إذ إن الخبرة العلمية المتراكمة عبر تاريخ من التعامل مع الأدوية والأوبئة، تدفع لعدم الاندفاع في استخدام دواء قبل التثبّت من آثاره القريبة والمتوسطة في البشر. في المقابل، دفعت فداحة الثمن الإنساني لجائحة «إيبولا» كثيراً من العلماء إلى رفع الصوت بالمطالبة بتجاوز القواعد العلمية سعياً لإنقاذ أرواح إنسانية ولوقف انتشار كارثة مروعة لا تتوقف عن التفاقم.