إذا كان لديك دواء لست متأكّداً من فعاليته، بمعنى أن هناك نسبة ما من الشك في أنه يشفي، هل تعطيه لمريض في حال حرجة لا مخرج منها سوى الموت؟ إذا لم يكن دواؤك فعالاً، فلن يقدم ولا يؤخر، لكن إذا مات المريض، كيف يمكن الخروج من إمكان أن يكون الدواء ساهم في وصوله إلى تلك الخاتمة المأسوية؟ ولم تعطه الدواء أصلاً، إن لم تكن متأكّداً من أنك تفعل الشيء الصواب؟ ليست تلك الأسئلة مجرد تدريب للذهن، بل تقدّم نماذج عن النقاش العلمي الخلافي عن استخدام أدوية وأمصال تجريبية في علاج مرضى «إيبولا»، وهي من الخطوات الأساسيّة أيضاً في وقف جائحة المرض. ويقدّم التبدّل في مواقف السلطات العلميّة بشأن العلاجات التجريبية، دليلاً على حدّة الخلاف العلمي وقوة الرهانات المتّصلة به. فقبل أسابيع قليلة، كان رأي «منظمة الصحة العالميّة» و»مراكز ترصد الأمراض» الأميركية، حاسماً في استبعاد ذلك النوع من العلاجات. وسرعان ما تبدّلت الحال، تحت تأثير أشياء كثيرة منها التفشي الذريع للفيروس، وعجز النظم الطبيّة في دول غرب الساحل الأفريقي عن مواجهة الفيروس، وارتفاع صوت علماء متخصّصين في الفيروسات تأييداً لاستخدام علاجات تجريبية ضد فيروس «إيبولا». العنصرية وأفخاخها زادت حدّة المطالبة العلمية باستخدام علاجات تجريبية لمواجهة «إيبولا»، بعد مصرع الاختصاصي الشيخ عمر خان بالفيروس، وهو كان في قيادة جهود مكافحة «إيبولا» في سيراليون. وأصدر ثلاثة من أبرز خبراء «إيبولا» بياناً مشتركاً في مطلع الشهر الجاري، أعلنوا فيه تأييدهم لاستخدام علاجات تجريبية. ولم يكن المناشدون إلا قامات سامقة علميّاً، وهم: بيتر بيوت (مكتشف فيروس «إيبولا» في العام 1976 ورئيس «كلية لندن للصحة والطب») وديفيد هايمان («مركز تشاتام هاوس للأمن الصحي العالمي») وجيرمي فارار («ذا ويلكوم تراست»). والمفارقة أن بيوت نفسه كان من أشد المناهضين لاستخدام علاجات تجريبية على مرضى «إيبولا»، وفق تصريح أدلى به إلى مجلة «ساينس» العلمية الشهيرة في منتصف الشهر المنصرم. ونقلت وكالة «رويترز» عن بيوت أيضاً، في مطلع الشهر الجاري، رأياً مناهضاً لاستعمال أدوية وأمصال تجريبيّة على مرضى «إيبولا». وأدى شفاء الطبيب الأميركي كِنت برانتلي ومساعدته نانسي رايتبول إلى حدوث تبدّل في وجه النقاش في استخدام أدوية تجريبية في علاج مرضى بمرض فيروسي أثناء موجة وباء بذلك الفيروس. فقبل ذلك الشفاء الذي وصفه اختصاصيّون أشرفوا على علاج برانتلي ورايتبول بأنه «معجزة»، كان الرأي الطبي المستقر بعدم استخدام أدوية إلا بعد مرورها في المراحل الثلاثة المعروفة. وتتمثّل تلك المراحل في الاختبار على الأنسجة في أطباق المختبر، ثم التجربة على حيوانات لبونة وأخيراً التطبيق على أشخاص يتقبلون طوعاً أن يجرّب الدواء عليهم. كيف حدث أن خبراء «مراكز ترصّد الأمراض»، وهم مازالوا الأشد تحفّظاً عن استخدام أدوية تجريبية في علاج «إيبولا»، أعطوا مصلاً يحتوي أجساماً مناعية مضادة للفيروس، لمريضين أميركيين؟ حتى لو كان الشفاء غير متوقّع فعليّاً، أدت سرعة تحسّن المريضين برانتلي ورايتبول إلى رفع نقطة اخرى في النقاش. هل يمكن إعطاء ذلك الدواء وما يشبهه، عندما يكون المريض في حال حرجة تماماً؟ هل جرى تجاوز الحدود الأخلاقية لأن المريضين كانا أميركيين، بمعنى إعطائهما نوعاً من «التميّز» (وذلك من أشكال العنصرية) على المرضى الأفارقة الذين يقضون بالعشرات يومياً؟ ويلفت أن بيان مكتشف الفيروس بيوت وزميليه، استخدم عبارة تحيل إلى نقاش البُعد العنصري في علاج المريضين الأميركيين، إذ استعمل البيان عبارة «اعطاء الأدوية إلى المرضى الأفارقة»، وهي أشارة صريحة إلى ذلك البُعد. في المقلب الآخر، يؤدي رفع القيود عن العلاجات التجريبية إلى فتح «أبواب جهنم» في عالم الطب، بمعنى انفلات التعامل مع أجساد البشر وأرواحها، خارج المعرفة العلميّة وخبراتها المتراكمة. من يتحمل مسؤولية إنفلات من ذلك النوع؟