بعد سبعة عشر شهراً من انطلاق الثورة السورية وامتدادها على مجمل التراب السوري ونجاحها في المزاوجة بين السلمية والعسكرة، وصمودها على رغم القمع الوحشي والعنف اللامحدود الذي جُوبهت به، لم يرق سلوك المعارضة (الغطاء السياسي للثورة السورية) أو يوازي مسيرة الثورة، فلا نجاحات تُذكر في مضمار السياسة، بل على العكس ما زالت الدعوات العربية والدولية لتوحيد المعارضة السورية تصم الآذان. فهي على عكس الثورة ظهرت كحصانٍ ضعيف وفي السياسة لا أحدَ يُراهنُ على حصانٍ خاسرٍ، وذلك هو أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل المجتمع الدولي، وعلى الأخص أصدقاء سورية، يكتفون بالبيانات والمؤتمرات الاعلامية والعقوبات الاقتصادية. فللانتقال الى مرحلة الفعل، لا بدَّ لهم من بديلٍ قوي عن نظام الأسد يضمن لهم مصالحهم ويضمن الاستقرار في المنطقة وذلك ليس محققاً في المجلس الوطني أو المعارضة في شكل عام. ولذلك أسبابٌ عدة، منها الانتماءات الايديولوجية المختلفة لأطراف المعارضة السورية وانعدام الخبرة بالعمل السياسي طوال عقودٍ حكمَ خلالها الأسد الأب البلد وأعدم فيها كل نشاط سياسي أو حتى مدني أو نقابي، فسورية ليست مصر وليست تونس أيضاً حيث استمرت في تلك البلدان الحياة السياسية والنقابية وإنْ شابها القمع والضعف في بعض المراحل، لكنها لم تصل الى درجة العدم كما في المثال السوري. ولأنَّ الايديولوجيا بحد ذاتها هي ثوابت ويقينيات وركونٌ لمبادئ راسخة فإنها في الوقت نفسه حجابٌ يفصل عن الواقع وخصوصاً في حال انعدام الخبرة والتجربة السياسية كما في مثالنا السوري. أمَّا الثورة – كل ثورة – فهي حركةٌ وانفجارٌ وهدمٌ وتفكيك، وإعادة بناء يليه هدمٌ واندفاعٌ وتجاوز، وتحطيمٌ للثوابت والتابوات وخروجٌ عن المألوف، وهذا ما نراه الآن ومنذ 15 آذار (مارس) في سورية حيثُ عجزَ حتى الأعداء عن إخفاء اعجابهم بشجاعة الشعب السوري وقدرته على الصمود وإبداع مختلف أشكال الاحتجاج بدءاً من التظاهر والاعتصام مروراً باعتماد اسلوب التظاهرات الطيارة وأجهزة السبيكر وبالونات الحرية وصولاً الى لافتات كفرنبل، وأخيراً قدرتها على المزاوجة بين العمل السلمي والعمل العسكري ودخول التجار على خط الثورة في شكل لا لبس فيه. فبعد كل هذا التناقض بين الثورة وغطائها السياسي، الذي يزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، من الذي سيُطلق رصاصة الرحمة على الإيديولوجيا وحامليها ويقول: «إنَّ هذا الغطاءَ ليس لهذا الإناء؟». * كاتب سوري