لم يكن مفاجأة لي الإعلان عن أن أول زيارة رسمية للرئيس المصري الجديد ستكون إلى المملكة العربية السعودية، نهاية هذا الأسبوع. ربما كان الإعلان عن الزيارة مفاجأة للمصابين بقصر النظر، الذين لا يدركون حقاً حجم المملكة وحجم مصر، ليس الحجم الجيوسياسي فقط، بل الحجم العقلاني الذي يحكم سياسة العلاقة بين البلدين الكبيرين منذ عقود. الضيف هو رئيس دولة مصر العظيمة، وليس مجرد عضو حزبي .. أيّاً كان حزبه! والمضيف هو ملك المملكة العربية السعودية، بلد الحرمين الشريفين والمسلمين جميعاً. تُسارع السعودية بدعوة الرئيس (الإخواني) لتثبت، مجدداً لا جديداً، أن «خصوصية» هذا البلد هي في «عموميته»، لجميع المسلمين .. السلفي والإخواني والصوفي والليبرالي والسني والشيعي، شئنا أو أبينا، أحببنا هذا أو كرهنا ذاك. هذا هو العقد التوافقي، الديني/ الاجتماعي، الذي لأجله وبه استحققنا شرف رعاية الحرمين الشريفين. يتحسس البعض من الوصف بالعمومية ويعدّه من التمييع للخصوصية الفاضلة. رغم أن ميزة الإسلام عن سائر الأديان والنبي محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الأنبياء والرسل هي في عدم خصوصيته لفئة من البشر، بل في عموميته للخلق أجمعين (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وهنا تكون مهارتنا في الحفاظ على خصوصيتنا التي تنبع من عموميتنا. عندما كتبت مقالتي: «السلفية» .. هل هذا وقتها؟! (صحيفة «الحياة»، 4 / 1 /2012م) لم يكن يشغلني في ذلك المضمون سوى لفت الأنظار إلى هذا المفهوم الإسلامي الشامل لدولة المملكة العربية السعودية، ولم يكن يزعجني ويؤلمني في كثير من الردود المعارضة لمقالتي تلك سوى محاولات تكريس المفهوم الضيق للإسلام كدين .. والفهم الضيق للسعودية كدولة. كانت تلك المحاولات الإقصائية تتستر خلف «السلفية» التي تعمدتُ وضعها في عنوان مقالتي بين قوسين كي يفهم القارئ، المحايد والفطن، الفارق بين السلفية التي قصدت والسلفية التي يقصدون. بإيجاز، كنا نتحاور حول سلفيتين! السلفية التي أقصد، والتي هي مقصدنا جميعاً، لا ينبغي تحجيمها بوضعها حزباً منافساً أو مشاكساً لحزب «الإخوان المسلمين»، أو أي حزب آخر، فنكون بذلك قد جعلناها، من دون أن ندري، حزباً مناظراً. فالسلفية الحقة هي منهج حياة نهتدي فيه بنهج السلف الصالح، أما «الإخوانية» فهي، مثل أي فصيل إسلامي، تنظيم فيه السلفيون وغير السلفيين والأخيار والأشرار والمخلصون والانتهازيون، ويجب أن نتعاون مع الخيِرين منهم وننبذ السيئين، وندعم المواقف الفاضلة عندهم وندحض المواقف الفاضحة. لماذا أستعيد اليوم الأجواء المشحونة، لما بعد مقالتي تلك، في مناسبة زيارة الرئيس المصري «الإخواني» إلى دولة السلفية الحقة بمفهومها الإسلامي الشامل؟! هل أفعل هذا للتشفي أم انتصاراً للذات؟! الحق، أني لا أفعله لهذا ولا ذاك، رغم أني لا أزكي نفسي البشرية من تلك الشوائب، وإنما لأؤكد أن الريادة الإسلامية العالمية لبلادنا أوسع من أن يضيقها أحد. ولأعبر عن طمأنينتي بأن أصحاب القرار في بلادي أوعى ممن يريد أن يحصر هذا البلد الكبير بين قوسين! * كاتب سعودي [email protected] ziadaldrees@