على رغم التأكيد المتكرر والمتواصل من قيادة حماس بأنها قدمت إلى عمان لأجل ترتيب وتنسيق متصلين بالقضية الفلسطينية والعلاقات الأردنية-الفلسطينية، وأنها لن تتدخل في الشأن الأردني، وأنها مستقلة عن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، فقد صاحبت وجودها في عمان حملة إعلامية وشكوك وتكهنات بأن هذا الوجود هو في سياق ترتيب علاقات وشراكة مع الحكومة الأردنية موضوعها الحركة الإسلامية والشارع الفلسطيني في الأردن. فالمشهد السياسي الأردني تشكل في «الربيع العربي» على نحو جعل «حماس» هي أفضل شريك متوقع للحكومة الأردنية لإخراج الحركة الإسلامية من الحراك السياسي المعارض إلى المشارك، ولأجل مشاركة فلسطينية إيجابية مؤيدة للحكومة بعدما وقف الشارع الفلسطيني (تقريباً) على الحياد في الحراك السياسي، أو كانت معظم مشاركته المعارضة من خلال الحركة الإسلامية، ومن ثم فإن مشاركة الحركة الإسلامية في الانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها قبيل نهاية العام الجاري ستحضر معها جزءاً كبيراً من الشارع الفلسطيني، وتعزل الحراك السياسي المعارض والذي يضغط مطالباً للمرة الأولى في تاريخ الأردن بقدر كبير من المطالب السياسية من شأنها أن تغير جوهرياً في أسلوب الحكم والإدارة، وتغير أيضاً في تركيبة أو طبيعة النخب الأردنية المهيمنة والمستقرة والمغلقة منذ قيام الدولة الحديثة في أوائل العشرينات من القرن الماضي. تتصف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بميزتين أساسيتين تجعلانها مختلفة عن نظيرتها في الدول العربية الأخرى، فهي مظلة سياسية للأردنيين من أصل فلسطيني، وتهيمن على الشارع الفلسطيني- الأردني وتقوده منذ السبعينات، والثانية وجود تيار متشدد دينياً أقرب في أفكاره إلى حزب التحرير الإسلامي وأفكار سيد قطب ومقولاته التي تخلى عنها الإخوان المسلمون في جميع الدول، وظلت الجماعة تقدم طوال العقود الماضية خطاباً دينياً دعوياً يراوح بين الهوس والتشدد، وتحشد وراء مطالب وأهداف كبرى متصلة بتحرير فلسطين، وتحول هذا المزيج الديني الفلسطيني إلى قوة تنظيمية وجماهيرية لمصلحة حماس في الأردن. وفي مواجهة هذا التيار، نشأ تيار إخواني يقوم على فكرة الإصلاح الوطني والاعتدال الديني، وحظي هذا التيار في «الربيع العربي» باحترام وتأييد كبيرين في الشارع الأردني السياسي والوطني، وأعاد وجوده القيادي في الجماعة، ولكن الانتخابات التنظيمية التي أُجريت أخيراً في صفوف الجماعة أظهرت غالبية ضئيلة لمصلحة تحالف التشدد الديني وتيار حماس في الجماعة، وهيمن هذا التحالف على المكتب التنفيذي للجماعة، وأعلن أيضاً مع مجيء قيادة حماس إلى عمان عن اجتماع جرى بين قيادة الجماعة ومدير المخابرات الأردنية، وبدا واضحاً أن الجماعة تتجه في ظل قيادتها الجديدة إلى شراكة مع النظام السياسي الأردني مستقلة عن الحراك السياسي القائم، والذي كانت تشارك الجماعة فيه وتشكل الجزء الرئيس منه، وفي المقابل فقد أبدى علناً عدد من قادة ورموز التيار الوطني في الجماعة؛ مثل رحيل غريبة، الرئيس السابق للدائرة السياسية وعضو المكتب التنفيذي في الجماعة، وسالم الفلاحات، المراقب العام السابق للجماعة، وخالد حسنين، الأمين العام السابق للجماعة انتقاداً غير مسبوق نشر في الصحف ووسائل الإعلام للسياسات والتوجهات الجديدة للجماعة. اليوم تبدو جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة استحقاق يكاد يكون حتمياً، وهو فض الشراكة المستحيلة بين اتجاهين يتصارعان منذ سنوات طويلة، أحدهما يعطي أولوية للعمل الإصلاحي الوطني والآخر يعطي الأولوية للعمل الفلسطيني، والواقع أنه انقسام ضروري، ويمكن أن يجرى سلمياً وبالحسنى، وسيساعد هذا الانقسام جميع أطراف العمل السياسي القائمة، فالحكومة ستنشئ شراكة وعلاقة مع قطاع واسع من الشارع الإسلامي والفلسطيني على نحو يرضى به الطرفان، وسيمضي العمل الآخر في ما يراه منسجماً مع «الربيع العربي» ومتطلباته. حماس بمجيئها إلى عمان تنقذ الإخوان المسلمين من أنفسهم، وتدفع بهم إلى مسار منطقي بدلاً من المشهد الذي ظل مسيطراً لسنوات طويلة والممعن في المتاهة والدوران حول الذات! * كاتب أردني