قد لا تكون أسماء أنييس فاردا وسيمون بيتون وريمون دي باردون، معروفة كثيراً بالنسبة الى متفرجي السينما العاديين، لكنها أسماء كبيرة في عالم سينما الواقع، وكذلك في عالم يبحث عن أدوار قديمة - جديدة، لفن السينما، ومن هنا يبدو حضورهم معاً في مهرجان واحد، وفي بيروت بالتحديد، امراً مدهشاً، يعيد السينما والفرجة على أفلامها الى مواقع تتعلق بجذور هذا الفن، لتقول للمتفرج ليس فقط ان السينما هي هذا أيضاً... بل كذلك أن العالم يمكنه أن يعيش حياته الطبيعية، مصورة بكاميرات سينمائية وليس فقط بكاميرات تلفزيونية. إذ، حتى لو عرضت أفلام هذه الفئة من فناني السينما على الشاشات الصغيرة - وهو أمر يحدث دائماً، خارج اطار المهرجانات التي تكاد تكون أمكنة العرض السينمائية الوحيدة المتاحة لهذا النوع من الفن -، فإنها تظل منتمية الى السينما والسينما الكبيرة تحديداً. علماً أن انييس فاردا، التي يوم افتتح برنامج «شاشات الواقع» المقام في بيروت منذ الأربعاء الفائت، ولمدة عشرة أيام، معروفة أيضاً في عالم السينما الروائية، منذ الخمسينات والستينات حين ثبتت قدميها - وسينماها - في عالم الموجة الجديدة الفرنسية بعملها الرائع والمبكر «كليو من 5 الى 7». من هنا أهمية هذا الافتتاح، لإدخال المتفرجين (وللمرة الخامسة على التوالي، في بيروت بجهد من جمعية متروبوليس السينمائية الشابة، وشبكة صالات أمبير والسفارة الفرنسية في لبنان) من طريق هذه السينمائية الكبيرة والمعروفة في لون «غير مألوف كثيراً» من السينما. والفيلم الذي عرض في الافتتاح هو أحدث أعمال فاردا «شاطئ انييس»، لتتلوه سلسلة تضم أعمالاً كبيرة، وأخرى مهمة حتى على الصعيد السياسي. من النمط الأول هناك الفيلمان الأخيران للمصور والسينمائي الفرنسي الكبير ريمون دي باردون، واللذان يتابع فيهما رصده للحياة الحديثة، في فرنسا اليوم: «وجوه فلاحية» و «الحياة الحديثة»، أما من النوع الثاني فهناك بالطبع «راشيل» آخر أعمال الفرنسية من أصل مغربي سيمون بيتون، المتحدث عن المناضلة راشيل كوري التي قتلها الإسرائيليون بجرافة، حين كانت تتظاهر ضد ممارساتهم. بيتون سبق ان حققت أفلاماً مميزة عن «الجدار» العنصري، كما عن محمود درويش وعن القضية الفلسطينية، ناهيك بسلسلتها عن كبار الفنانين العرب (أم كلثوم، عبدالوهاب، ليلى مراد... الخ). الى جانب هؤلاء يحفل المهرجان البيروتي الجديد هذا بأعمال تأتي غالبيتها من فرنسا، لكنها تضيء على بعض أحوال العالم، حيث الى فيلم الختام «الصين لا تزال بعيدة» لمالك بن اسماعيل، هناك أعمال من تايلندا وبلجيكا وعن روسيا والفيليبين... أعمال تضيء على أحوال العالم... ولكن أيضاً، وهذا أفضل بالطبع، على أحوال السينما وامكاناتها. بقي أن نذكر أن مكان العروض هو صالة متروبوليس - امبير، الأشرفية بيروت، وبدل الدخول 3000 ليرة لبنانية للعرض الواحد أي ثلث - وأقل - ما يدفعه المتفرج لحضور أي فيلم تجاري عادي.