تفتقر نسبة مهمة من شعوب المنطقة إلى الوعي الاستثماري، ما يوقع على عاتق العديد من الجهات الحكومية والخاصة مسؤولية تعزيز هذا الوعي، خصوصاً بعدما أدى انخفاض هذا الوعي إلى خسارة مستثمرين كثيرين في المنطقة جزءاً كبيراً من ثرواتهم بدلاً من الحفاظ عليها وتنميتها لتعويض انخفاض قيمتها الشرائية نتيجة الارتفاع المتواصل في مستوى التضخم. وتركزت خسائر المستثمرين في معظمها في أسواق المال نتيجة المضاربات الشديدة أو خسارتهم في تقلبات المؤشرات والمحافظ الوهمية وشركات توظيف الأموال أو نتيجة الاحتيال المالي والعقاري وغيرها من وسائل الاحتيال. وأدت هذه الخسائر الضخمة إلى انحسار نسبة مهمة من الطبقة الوسطى في العديد من دول المنطقة وتراجع عائلات فيها إلى الطبقة الفقيرة. وانعكست الآثار السلبية اقتصادياً ونفسياً واجتماعياً على مجتمعات واقتصادات وطنية. ونعود إلى قصة المقولة المشهورة «القانون لا يحمي المغفلين». ولمن فاتتهم معرفة هذه القصة والتي يتميز صاحبها بالذكاء والدهاء وهو أميركي كان يعاني فقراً شديداً وقرر ان يصبح ثرياً ومن أصحاب الملايين فوضع إعلاناً في الصحف الأميركية يتضمن: «إذا أردت ان تكون ثرياً فأرسل دولاراً فقط على صندوق البريد الرقم كذا». وبدأ الملايين من الناس يتوافدون إلى مراكز البريد ويرسلون دولاراً، خصوصاً ان محدودية المبلغ لا تعطي مؤشرات أو دلالات على وجود احتيال أو تضليل، واستطاع صاحبنا خلال فترة زمنية قصيرة ان يجمع الملايين من الدولارات، وعندما تبين للناس الاحتيال في هذا الإعلان، رفعوا قضية عليه وكان رد المحكمة عليهم بنوع من الاستهزاء عند الإطلاع على تفاصيلها: «القانون لا يحمي المغفلين». وهنا لا بد من الإشارة إلى ان هذه المقولة تهدف إلى أخذ الحيطة والحذر في الأفعال والأقوال التي يقوم بها المستثمر حتى لا تزول عنه الحماية القانونية التي يقررها القانون. ويبيّن العديد من عمليات الاحتيال المالي والاستثماري والعقاري إفراط عدد كبير ممن تعرضوا إليها في حماية حقوقهم ومصالحهم بعد وقوع عمليات الاحتيال، خصوصاً بعدما أصبح المحتالون يستخدمون وسائل مبتكرة لإتقان عملية الاحتيال. وربما يعتنق الضحايا القاعدة الإسلامية الشهيرة «المفرّط أولى بالخسارة». وخلال انتشار ظاهرة المحافظ والبورصات الوهمية وشركات توظيف الأموال في مختلف أنحاء المنطقة قبل سنوات حذر خبراء في أكثر من مناسبة ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة من أخطار هذه الاستثمارات التي لا تستند عائداتها الكبيرة إلى عقل أو منطق وتعكس سيطرة الطمع وانخفاض مستوى الوعي الاستثماري. كذلك حذروا صغار المستثمرين في أسواق المنطقة من السير والانجراف خلف كبار المضاربين، وحذروا المستثمرين في قطاع العقارات من عمليات الاحتيال العقاري الذي تعددت وسائله وإغراءاته وبعدما تعرض عدد كبير من المغتربين إلى عمليات احتيال. ويعتمد المغفلون بحسب رأي القانونيين والخبراء عادة على عواطفهم وليس على عقولهم عند اتخاذ قرارات الاستثمار إضافة إلى تمتعهم بثقة مفرطة بالناس وعدم إدراكهم لخطورة تعاملاتهم اعتماداً على حسن النية وغفلتهم عن أخذ الاحتياطات اللازمة. والملاحظ في معظم دول المنطقة ان القانون يحمي هذه الفئة لأنها ضحية غفلتها وحسن نيتها بينما يرى آخرون ان القانون لا يحمي إلا من استطاع ان يؤمّن الأدلة والشواهد التي تثبت حقه، ولا بد من وجود جهات حكومية وأهلية متخصصة وفي مقدمها هيئات الأوراق المالية والمصارف المركزية يرجع إليها المستثمرون لاستشاراتها قبل الإقدام على أي عملية مالية أو استثمارية لحمايتهم من المحتالين. وعندما يعرض محتالون بيع ذهب مغشوش بسعر مغر، أو بيع عملات أجنبية من دولارات أو غيرها بأسعار مغرية، أو بيع أراضٍ، أو الفوز بجائزة كبيرة في مقابل رسوم محددة، أو شيكات مزورة مسحوبة على مصارف أجنبية في مقابل حسوم كبيرة، أو عائدات شهرية مضمونة لتوظيف الأموال قد تصل نسبتها إلى 10 في المئة، أو غير ذلك من الأمثلة المتعددة على عمليات النصب والاحتيال، فلا بد للمستثمر من ان يتأكد من صحة هذه العمليات بالرجوع إلى أصحاب الخبرة والتخصص حتى لا يصبح من شريحة المغفلين. ومع التأكيد على أهمية رفع مستوى ثقافة الاستثمار فالجهات المعنية في المنطقة مطالَبة برفع مستوى الثقافة القانونية للمجتمع أي ثقافة الحقوق والواجبات وآليات حمايتها من الضياع والتفريط، فالقاضي لا يحكم بمجرد الادعاء إنما على أساس ما يتوافر من بيانات. وفي حال عدم توافرها يلجأ القاضي إلى ما تقرره نصوص القانون، خصوصاً بعد تعرض عدد كبير من المستثمرين إلى خسائر نتيجة التوقيع على عقود أو مبايعات أو اتفاقات أو عقود استثمار أو غيرها من المعاملات المالية والاستثمارية من دون الاطلاع على تفاصيلها. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»