المراجعات هذه المرة لم تكن من نصيب جماعة الجهاد أو لمصلحة أمراء «الجماعة الإسلامية» أو حتى من أجل المصاححة الأمنية. وبدلاً من ارتفاع نبرة الأصوات العقلانية حيث ضرورة مراجعة المعاملة الأمنية، أو انخفاض الميول العدوانية حيث حتمية تطويق الإسلاميين أو السيطرة على الجامحين باسم الدين، ذهبت المراجعات الى القطاعات الشعبية العريضة والفئات المصرية الكثيرة وباتت الغالبية على يقين بأن فض رابعة بعد عام بالتمام والكمال كان ضرورة وتفريق الإخوان كان واقعاً من دون حيلولة. وقد حالت الجماعة بمنهجها في الإبداع السلمي الجديد وأسلوبها في ذكرى الفض الفريد دون تراكم المزيد من مشاعر التعاطف أو ترسب أي جديد لميول التراؤف. وعلى رغم قرف شعبي واضح وملل وطني بائن من فرط خطاب السبّ والشتم الإعلامي الواضح الذي يسطع في سماء الفضائيات المتناحرة بين طرفي الاستقطاب، إلا أن خيارات الجماعة للسبل الاحتفالية والوسائل الإحيائية لذكرى فض رابعة لم تترك الكثير أمام رد الفعل المصري الشعبي الجارف بأن الفض كان شراً لا بد منه، وضرورة لا مهرب منها، وحلاً لا ثاني له. فمن كوكتيل مولوتوف ملقى على مقار الأحياء، إلى إضرام نيران في مبان ومنشآت، إلى قنابل بدائية وأخرى عشوائية، إلى تظاهرات عشرية تتظاهر بأنها مليونية لم تترك الجماعة باباً من أبواب «السلمية المبدعة» إلا طرقته، ونافذة ل «الشرعية المذهلة» إلا فتحته في إطار خياراتها الشارعية لإحياء ذكرى الفض. هذه الخيارات عضدها صدور تقرير «هيومان رايتس ووتش»، التقرير الذي أثار الكثير من الغضب بين المواطنين المنزوعي الهوى الإخواني، لا سيما ممن عايشوا مجريات الفض وعاصروا تصرفات الجماعة وشاهدوا تحركات القواعد، لكنه في الوقت نفسه فجّر موجة ارتياح عارمة وفرحة غامرة بين أقرانهم من أصحاب الهوى الإخواني والميل السياسي مرتدي عباءة الدين. عباءة الدين تخضع حالياً لمراجعات شعبية بفضل الجماعة وتصرفات العامة من قواعدها والطلاب من متعاطفيها والحرائر من معتنقي منهجها، وهي مراجعات ما كان لها أن تقام ولا قُدِّر لها أن تُعقد، لولا «عمايل» الإخوان. «عمايل» الإخوان أو تصرفاتهم وتحركاتهم في ذكرى الفض حيث آمال معقودة على العودة ورغبات منصوبة على الانتقام وأحلام موجهة الى الفوضى الهدامة (الخلاقة سابقاً) محور حديث المصريين ومصب اهتمام المواطنين. العبارة الأكثر رواجاً والسؤال الأعلى استفهاماً والشجب الأكثر تنديداً هذه الأيام يتعلق ب «عمايل» الإخوان. وبدلاً من أن تكون ذكرى الفض فرصة لاقتناص تعاطف من لم يتعاطف من قبل، أو وسيلة لكسب تأييد من لم يؤيد وقتها، أو طريقة لترسيخ المظلومية وتجذير الإنسانية، تحولت تحركات قواعد الجماعة على الأرض في مناسبة الفض لتصب في مصلحة النظام على رغم أخطائه، والأمن على رغم سقطاته، والإعلام على رغم كوارثه، والاستقطاب على رغم كارثيته. كارثية «كتائب حلوان» المروجة عبر الشبكة العنكبوتية تحولت إلى وسيلة لتبادل الاتهامات وتقاذف التلويحات بين الأمن والجماعة، حيث يتهم كل منهما الآخر بابتداع الفكرة. فالأول يعتبرها دليلاً دامغاً على عنف الجماعة وإرهابها، ونية كوادرها وخيانتها، والأخيرة كعادتها تلقي بكرة إبداع الفكرة في ملعب الأمن متهمة إياه بملكيتها الفكرية لتشويه الجماعة وتقبيح الإسلام الذي تمثله. وبغض النظر عما تمثله «كتائب حلوان»، فإن نتائجها الأولية المعضدة بالنشاطات الاحتفالية الإخوانية المراوحة بين التفجير والتفخيخ والحرق والاشتباك وقطع الطرق وتعطيل حركة القطارات وشل سير السيارات وما تيسر، أسفرت عن مزيد من الكراهية المصرية وكثير من المراجعات الشعبية. الشعب الذي اختار الجماعة من قبل لتكون وحلفاؤها ممثلاً له في البرلمان ثم ولي أمره في القصر هو نفسه الذي يسب ويلعن في كوادرها، ويمقت ويكره قواعدها، ويتشكك ويتريب في متعاطفيها. والمواطنون الذين تعاطفوا مع شبابها وتفاعلوا مع «حرائرها» ظناً أن موجات المطاردة الأمنية كانت جائرة، ومحاولات زرع الكراهية الإعلامية كانت زائدة، وخطوات الإقصاءات السياسية كانت فائرة يجدون أنفسهم اليوم ضحايا احتفالات ذكرى الفض ومتضرري تفخيخات قصاص الاخوة، ما يدفع الكثيرين إلى مراجعات فكرية وأخرى عاطفية وثالثة تآزرية تجاه الجماعة.