جامعة هارفارد في رأس قائمة أفضل الجامعات في العالم، أو بين أول عشر جامعات منذ اختُرِعَت القوائم، يعني «مش حبّتين»، وكلية الطب فيها ذات سمعة تليق بالجامعة التي تحمل اسمها، لذلك عندما يجد استطلاع لهذه الكلية أن ما يسعد الزوجات والصديقات هو أن يرين الزوج أو الصديق كئيباً أو منزعجاً لا يجوز أن نسخّفه ونهمله ونعتبره «أي كلام». الاستطلاع أوضح أن المرأة ترى في كآبة الرجل أو انزعاجه دليلاً على أنه يهتم بها، وأنه حريص على سير علاقتهما. أقول إن هناك إيجابية في الكلام السابق، فالرجل لا يحتاج أن يشتري لزوجته أو صديقته مجوهرات أو معطفاً من الفرو أو حقيبة «لوي فيتون» لتَسعَد، وإنما يكتفي بأن يدّعي الكآبة أمامها لينشرح صدرها من دون أن ينفق عملة صعبة جداً ليراها تبتسم. على سيرة الابتسام، أعرف نوعاً من البشر لا يبتسم ولو وُضِعَ في فمه «علاقة ثياب»، وموضوعي اليوم هو السعادة، والابتسام من عناصرها، وبما أنني نذرت نفسي لخدمة القارئ فقد بحثت وبحثت حتى وجدت ملحقاً كاملاً لجريدة لندنية عن الابتسام. إلا أن ما أفسد بسمتي أن الملحق ضم رسوماً بيانية ووصفات طبية، ودراسات علمية لا تحصى ولا تعد. لذلك تركت العلم الحديث إلى ما أعرف، فلو أن «الحلو في الفرندا شاور لي وبصّ لي» فإنني سأبتسم حتماً وأسعد، ولكن إذا زارني مفتش الضرائب ليبلغني أن الضريبة على دخلي في لندن سترتفع من 40 في المئة إلى 50 في المئة فسأعبس، وربما بكيت. أعود إلى موضوع السعادة فهو مطروح في لندن منذ أوائل 2011 عندما أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستنفق مليوني جنيه على مشروع أترجمه إلى العربية بتصرّف هو «رغَد العيش العام» أو ما يسعد الناس، وكنت علّقت عليه في حينه. وردّ معهد الشؤون الاقتصادية البريطاني بدراسة أجراها أكاديميون في 126 بلداً كتبوا تقريراً في 250 صفحة وقرروا فيه أن أهم مؤشر للسعادة هو الثراء. القارئ وأنا نعرف هذا من دون أن نكون أكاديميين أو نُجري أبحاثاً في 126 بلداً. وقد وقعت على دراسة تعود إلى السبعينات تقول إنه بعد وصول الثراء إلى حد معين تتوقف السعادة عنده فإذا زاد المال لا تزيد السعادة. وهذا يفسر لماذا بيل غيتس، أو كارلوس سليم، لم يمت من الفرحة حتى الآن. أكتب متوكئاً على مادة كثيرة عن الموضوع بالإضافة إلى الدراسات والاستطلاعات السابقة، فأمامي ملاحق في جرائد رصينة ومقالات لخبراء وسياسيين، ودراسات طبية ونفسية. بل إن «الأوبزرفر» وزعت كتاباً كان بين أكثر الكتب الأميركية مبيعاً عنوانه: هل تستطيع أن تكون سعيداً، أو أسعد؟ من تأليف تال بن-شاهار. أختار منها تحقيقاً يسأل: هل شعب بوتان أسعد شعب في العالم؟ ولا أترك القارئ في حيص بيص، وإنما أقول له إن بوتان مملكة في أعالي جبال الهملايا بين الهند والصين. وقرأت أن ملكها السابق حضر مؤتمراً لعدم الانحياز في كوبا، وتوقف في طريق عودته إلى بلاده في الهند، وسأله صحافي عن معدل الدخل القومي في بلاده، وردّ: «نحن نطلب معدل السعادة القومية». حتى لو تركنا بوتان والهند والسند، فثمة دراسة أخرى تقول إن النساء بشكل عام أكثر سعادة من الرجال، والسعيدات بينهن 7.5 من عشرة مقابل 7.3 للرجال. والمتزوجون أسعد من العازبين والمطلقين وبنسبة 7.7 من عشرة إلى 7.1 و6.5. والعاملون أسعد من العاطلين عن العمل والنسبة 7.5 من عشرة مقابل 6.3. كيف يكون المتزوج أكثر سعادة من العازب؟ أعتقد أن صاحب الدراسة متزوج ضاق بسعادة العازبين ويحاول أن يجعلهم ينضمون إلى ركب المعذبين في الأرض بالكذب عليهم. لن أناقش جامعة هارفارد ومعهد الشؤون الاقتصادية، ولكن أقول للقارئ إنه إذا كان موضوع السعادة يهمه، وإذا كان مستعداً لتصديق ما يقرأ، فهناك كتاب بعنوان «مشروع السعادة» من تأليف غريتشن روبن صدر سنة 2010 واحتل رأس قائمة أكثر الكتب مبيعاً في «نيويورك تايمز»، وتبعه موقع إلكتروني عن الموضوع قرأت أن له 300 ألف زائر. هل يريد القارئ دراسة أخرى؟ قرأت أن ثالث يوم اثنين في كانون الثاني (يناير) من كل سنة أتعس يوم في السنة كلها، وقرأت أن الذي طلع بهذه النظرية عاد فاعترف بخطئها. ولكنها لا تزال رائجة ولها أتباع. شخصياً أفضل أن أتّبع مؤشر السعادة. [email protected]