إعلان الاستقلال الأميركي في 4/7/1776 (رقم السنة هو أيضاً رقم البيت الأبيض في شارع بنسلفانيا في العاصمة واشنطن) يقول في فقرته الثانية: «إن بين الحقائق التي تشرح نفسها (أي إنها لا تحتاج الى شرح) «إن جميع الرجال (بمعنى البشر) ولدوا متساوين وإن الخالق منحهم حقوقاً ثابتة بينها الحياة والحرية وطلب السعادة، ولإنجاز هذه الحقوق تقوم الحكومات وتستمد سلطاتها العادلة من المحكومين...» من الواضح ان اعلان الاستقلال الأميركي لا ينطبق على الحكومات العربية والمحكومين العرب، وأدين الحاكم والمحكوم، فقد تعلمنا: كما تكونون يولّى عليكم، والمثل الشعبي: كل عمرك يا زبيبة فيكي هالعودة. ثم ان اعلان الاستقلال الأميركي محدث، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. موضوعي اليوم ليس اعلان الاستقلال الأميركي أو الدستور وتعديلاته، وإنما طلب السعادة، فقد صبرنا ونلنا، والثورات العربية جاءتنا بديموقراطية أثينية وكرامة، واقتصاد مزدهر، وتعليم عالٍ. يعني شو بدّي أقول، أهل سويسرا ولوكسمبورغ وليختنشتاين يحسدوننا على ما نرفل فيه من عز. أعود الى السعادة قبل ان انسى. فمؤسسة غالوب سألت الناس حول العالم بين 2005 و 2011: هل أنت سعيد؟ وكان المؤشر بين صفر وعشرة، وتبين أن الأوروبيين يعطون أنفسهم علامات عالية تتجاوز أحياناً ثمانية من عشرة، في حين ان دول افريقيا جنوب الصحراء تهبط بالسعادة الى أربع نقاط من عشرة أو أقل. غلبتني حيرة إزاء «تقرير السعادة العالمية» الصادر عن جامعة كولومبيا ومجموعة خبراء، فتسلسل الدول في القوائم يختلف باختلاف أنواع السعادة، وتبقى الدنمارك الأولى بين أسعد البلدان، والدول العشر الأولى كلها أوروبية باستثناء كندا في المركز الرابع وأستراليا في المركز التاسع. ربما كان سبب سعادة الدنماركيين أنهم ليسوا «بلجيك»، وسبب سعادة الإرلنديين أنهم سكارى، وقد لاحظت في مؤشر آخر عن الرضا بالعيش، أن إسرائيل في مركز متقدم، والسبب واضح فالإسرائيليون يعيشون على حساب الأميركيين المفلسين. وكانت هناك مؤشرات أخرى احتلت فيها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وتركيا مراكز متقدمة. وجدت صعوبة في فهم مؤشرات السعادة المختلفة، فانتقلت الى تقرير في 250 صفحة يجمع نتائج دراسات أكاديميين من 126 بلداً، خلاصته أن أهم مؤشر للسعادة هو الثراء. ولكن، إذا كان هذا صحيحاً لماذا لا يموت كارلوس سليم وبيل غيتس ووارن بافيت من الفرحة؟ ثمة خلاف على أسباب السعادة، ولكن يمكن أن نتفق على نقطة واحدة، هي أن الناس جميعاً يطلبون السعادة، والغربيون يجعلون الثراء أهم أسباب السعادة عندهم، وأزعم أن الجهل أول شرط للسعادة عندنا، وأمامي ملحق جريدة كله عن الابتسام، يضم تقريراً عن علم طب الأسنان التجميلي حيث مبضع الجراح يصنع بسمة لا تنسى من علامات السعادة. وأحاول أن أنتزع بسمة من القارئ تعكس سعادتنا بطرفة قديمة عن مصر، فأم خشبة وابنها الصغير خشبة يتفرجان على عرض عسكري للملك فاروق، وتقول الأم لابنها: يا رب يا خشبة تكبر وتصير مثل الملك فاروق. ويستدير جندي أمامها ويصرخ: خشبة مثل الملك فاروق، ملك مصر والسودان؟ ويضربها. وتمر الأيام وتشهد أم خشبة وخشبة عرضاً عسكرياً لجمال عبد الناصر، وتقول الأم لابنها: يا رب يا خشبة تكبر وتصير مثل جمال عبد الناصر. ويستدير الجندي أمامها غاضباً ويقول: خشبة مثل رائد القومية العربية زعيم الأمة؟ ويضربها. وتمر أيام أخرى، وتشهد أم خشبة وخشبة عرضاً عسكرياً لأنور السادات. وتقول الأم لابنها: يا رب يا خشبة تكبر وتصير مثل الرئيس السادات. ويستدير الجندي أمامها غاضباً ويصرخ: خشبة مثل الرئيس المؤمن بطل العبور؟ ويضربها. وأخيرا تشهد عرضاً للرئيس حسني مبارك. وتقول الأم لابنها: يا رب يا خشبة تكبر وتصير مثل الرئيس مبارك. ويستدير الجندي مبتسماً ويقول: صبرت ونلت يا أم خشبة. ونحن صبرنا ونلنا، والدنيا ربيع، والإشيا معدن، وغطيني يا صفيّة.