من كان يتصور قبل عشرين سنة، أن مصير جثمان مؤسس الدولة السوفياتية فلاديمير لينين سيدخل بورصة المراهنات في روسيا؟ يبدو أن رياح التغيير التي جرفت في عقدين، كل مخلفات الماضي الشيوعي، بدأت تهز بقوة ضريح الزعيم الذي ظل طويلاً، واحداً من المعالم الأساسية للساحة الحمراء، ومقصداً للزوار من داخل البلاد وخارجها. وبعدما سارت السلطات في السنوات الماضية، خطوات عدة نحو تحطيم الهالة الكبرى التي كانت تلف ما تبقى من الزعيم الشيوعي، زادت أخيراً، وتيرة الحملات المطالبة ب «طرده» من الساحة الحمراء التي «استوطنها» منذ وفاته في عام 1924، حتى «يرتاح» جسده المتعب في تحنيطه، ويريح كثيرين ما زالوا يرون في «تخليده» داخل الضريح الشهير تهديداً بأن الأيام الخوالي قد تعود فجأة. إذ لم تعد كافية في رأي المطالبين برحيل لينين من ضريحه، التدابير التي اتخذتها السلطات لتجاهل وجوده، ومنها رفع مراسم الحراسة الرسمية عن الضريح وإقامة ستار عملاق يحجبه عن الأنظار في كل مناسبة أو عيد. أحدث الحملات انطلقت أخيراً على شبكات التواصل الاجتماعي، واستند منظموها إلى رأي رجال الدين باعتبار أن «روح الرجل لن ترتاح حتى يدفن جسده تحت التراب». وكالعادة أثار الموضوع سجالاً ساخناً بين مؤيد ومعارض، وبرز مجدداً الانقسام الحاد في الشارع الروسي حول هذا الموضوع. جاءت الحملة بعد مرور أيام قليلة على صدور أول إشارة من شخصية مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين إلى ضرورة حسم هذا الملف، عبر دعوة وجهها وزير الثقافة الروسي فلاديمير ميدينسكي معتبراً فيها أن الوقت حان ليرتاح جثمان الرجل في مدفن. ومع إقراره أن المسألة «تحتاج إلى قرار سياسي على مستوى الرئاسة»، أكد الوزير أن لا مفر من حسم الموضوع لأن بقاء الجثمان في حال «معلقة» بات أمراً «مثيراً للسخرية». وفي مسعى لتجنب ردود الفعل الغاضبة، أكد الوزير ضرورة أن يلقى جثمان لينين التكريم اللائق بشخصية كبرى حكمت روسيا، لجهة إقامة جنازة رسمية، ودفنه في «مكان مشرف». كما حرص على تأكيد ضرورة المحافظة على مبنى الضريح الذي يسجى فيه الجثمان حالياً، مع الإشارة إلى خطط لتحويله إلى متحف يحكي تاريخ الاتحاد السوفياتي. الملفت أن ميدينسكي الذي لعب دوراً بارزاً خلال حملات بوتين الانتخابية تجنب قبل الانتخابات الرئاسية الإشارة إلى هذا الملف الخلافي خوفاً من ضياع أصوات كثيرة. لكن المثير أن مصير جثمان لينين لم يعد مطروحاً في السجالات بين مؤيدي دفنه والمعارضين الذين هددوا باحتلال الساحة الحمراء دفاعاً عن زعيمهم إذا دخل الاقتراح حيز التنفيذ، إذ انتقل الموضوع إلى بورصة المراهنات بعدما ابتكر أصحابها وسيلة للإفادة من السجال الساخن في المجتمع. وأفاد رئيس رابطة مكاتب المراهنات الروسية أوليغ جورافسكي أن كثيرين شاركوا في المراهنة خلال عام 2011 على أن جثمان لينين سيبقى في الساحة الحمراء لمدة لا تقل عن خمس سنوات أخرى، وأضاف أن تصريحات وزير الثقافة أشعلت موجة جديدة من المراهنات بعدما بدا أن مصير الجثمان سيحسم بأسرع من ذلك الوقت. أما سياسياً فجاءت أقوى ردات الفعل من الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاتشينكو الذي يصفه البعض بأنه «آخر الزعماء الشيوعيين» في أوروبا إذ سرب مصدر مقرب منه تفاصيل تشير إلى أنه «على اطلاع بأن النخبة السياسية في الكرملين تناقش في شكل جدي مصير جثمان لينين»، مضيفاً أن لوكاتشينكو عبّر عن استعداد بلاده لإنشاء ضريحٍ في مينسك لنقل جثمان الزعيم الشيوعي الراحل إليه، إذا اتخذت موسكو قراراً بنقله من الساحة الحمراء.