ترتب على انتشار ظاهرة العنف عالمياً وازديادها خصوصاً في السنوات الأخيرة، إفراز تعبيرات من نوع «الفتوة المعاصر» و «البلطجي الأميركي» وما إلى ذلك من تعبيرات أصبحت تسود الفضاء العالمي. وهذا التأثير الصارخ للعنف انتقل إلى مجتمعنا المحلي. فعاد نموذج الفتوة الذي كان تلاشى منذ سنوات بعيدة للحضور بقوة مرة أخرى في الشارع المصري. وعبرت السينما المصرية عن نموذج الفتوة كبطل شعبي في أغلب الأحيان على أنه نموذج إيجابي يناصر المظلومين وينفذ قوانين العدالة بطريقته. فصورة الفتوة كما حرصت السينما المصرية على تقديمها صورة تتعلق بمفاهيم مثل الشرف والنبل والقوة. أما النماذج المشوهة للبلطجية ورجال العصابات فقد أدانتها السينما المصرية بوضوح ووضعتها في خانة المجرمين الذين يلقون في النهاية الجزاء المناسب. وفي هذا الكتاب المعنون الفتوة في السينما المصرية» (سلسلة «كتاب اليوم»-176 ص) تكشف ناهد صلاح الطريقة التي تعاملت بها السينما المصرية مع هذا النموذج الذي ترسخت صورته في الوجدان المصري في مرحلة ما كمعادل شعبي للحاكم الرسمي، وكحاجة ملحّة لضبط ميزان الأمن والأمان في مجتمع افتقد السلطة العادلة، إذ تمثل أفلام الفتوات ملمحاً مُميزاً تفردت به السينما المصرية دون سواها. وصارت على قلتها بالنسبة للميراث الطويل للسينما جزءاً أصيلاً من واقعها وتاريخها. وهي في افضل تجلياتها، أُقتبست من العالم الروائي لنجيب محفوظ. ولقد أشارت المؤلفة إلى أبرز النماذج، لافتة إلى أن بعض النقاد تورطوا في اعتبار فيلم «الفتوة» 1957 بداية الأفلام التي تعالج عالم الفتوات إذ أن «هذا يُعد من قبيل القراءة النقدية المتعسفة؛ لأن هذا الفيلم لا علاقة له بعالم الفتوة سوى عنوانه» الذي ربما اختاره مخرجه صلاح أبو سيف ليتماشى مع موجة التوزيع أو المزاج الجماهيري حينذاك. كما يشير بعض النقاد أن أفلام الحرافيش والفتوات تسعة، أهمها فيلمان، جاء أحدهما من خارج «ملحمة الحرافيش» وهو فيلم «الشيطان يعظ» 1981. والآخر جاء من داخلها وهو فيلم «الجوع» 1986. وفيما عدا هذين الفيلمين نجد بقية أفلام الفتوات: «فتوات بولاق» 1981 إخراج يحيى العلمي، «المطارد» 1985 إخراج سمير سيف، «شهد الملكة» 1985 إخراج حسام الدين مصطفى. «التوت والنبوت» 1986 إخراج نيازي مصطفى. «أصدقاء الشيطان» 1988 إخراج أحمد ياسين. وتشير الكاتبة إلى أن المخرج سمير سيف يعتبر فيلم «فتوات الحسينية» 1954 البذرة الأساسية لكل هذه الأعمال الأدبية والسينمائية. المرأة في عالم الفتوات وعن «المرأة والفتوة» تشير الكاتبة إلى أن صورة المرأة لم تخرج عن النمطية التي صاغتها السينما المصرية والتي قللت فيها من أهميتها ومن قيمتها. وفي أحيان كثيرة قللت من دورها الفاعل في المجتمع أيضاً، إذ تعاملت معها في الغالب وكأنها غيمة عابرة على هامش الأحداث. وذلك على رغم أن بعض النماذج كانت تبدو وكأنها فاعلة ومحركة للأحداث. فهي تقف وراء الفتوة وبجواره وتدفعه لكل التحولات والانعطافات التي تصادفه في طريقه سواء في شكل مباشر أو غير مباشر، ومن هذه النماذج: نموذج المرأة (بوسى) في «فتوات بولاق» يمثل ترجمة مباشرة لمفهوم اللعنة على اعتبار أنه عند كل مصيبة وكارثة «فتش عن المرأة» وذلك ضمن مفاهيم ومعتقدات اجتماعية وأخلاقية سطحية شكلت حصاراً لمجتمع ارتضى بالذل والمهانة ليكونا عنوانه البارز. وفي «الشيطان يعظ» كانت المرأة (نبيلة عبيد) نذير الشؤم في واقع قاس سيطرت عليه مفاهيم خاصة للقيم الاجتماعية في زمن الاعتماد على قوة العضلات لتسيير أمور الحياة. وكانت نجلاء فتحي، المرأة في «سعد اليتيم»، النموذج الأمثل للمرأة الإيجابية ذات النزعة التحررية. فهي على رغم أنها الابنة الوحيدة والمدللة للفتوة الغادر إلا أنها كانت عطوفة بدرجة كبيرة على الفقراء، وصلبة في الدفاع عنهم وصدّ رجال أبيها عنهم. وقدمت نادية الجندي في فيلم «شهد الملكة» دور المرأة التي تستعذب السيطرة على الرجال وتستمتع بإذلالهم وتحقيرهم ثم تأتي نهايتها الميلودرامية ليكون الانتقام هو مصيرها المحتوم على يد أحد الرجال الذين اكتوت قلوبهم بنيران حبها وطموحها في الصعود على أكتافهم. وتضمن الكتاب قراءة تحليلية لثلاثة نماذج من أفلام الفتوة هي «سعد اليتيم»، «الشيطان يعظ»، و «الجوع». إضافة إلى شهادات وحوارات مع صُناع الفتوة: الفنان نور الشريف والمخرج علي بدرخان، والكاتبين وحيد حامد ويسري الجندي. استثمار وفي رأي الكاتبة فإن السينما المصرية استثمرت هذه النوعية من الأفلام كنوع من أفلام الحركة والأكشن وحققت نجاحاً جماهيرياً حين عرضها، إذ أصبحت مجرد استثمار لموجة رابحة أو كاسحة تورطت فيه السينما المصرية من خلال منتجين اشتروا أعمال نجيب محفوظ من دون أن يفهموا مغزاها، إذ سلبت من هذه الأعمال روحها وحميميتها وقدمتها كأنها بضاعة مُعلبة تم نقلها بلا أدنى جهد أو عناء، ونهلت من نهر الفتوات والحرافيش وروت ظمأها لنجاح شكلي أكثر من التركيز على ما تضمنه العالم الروائي لنجيب محفوظ من إشارات ودلالات فلسفية وسياسية حاول من خلالها التحرر من تسلط الفتوات وتصوير كفاح الحارة ضد سلطة القهر والظلم.