شباب أخضر اليد يختتمون معسكر سلوفينيا    "تجارة حائل" تضبط عمالة تدير مستودعاً ومعملاً غير مرخص في الأغذية والصابون    منافسات نارية في الأسبوع الثاني من كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تعليم الطائف يعلن إيفاد 13 معلماً للتدريس في الخارج    اليحيى يرأس وفد المملكة في المؤتمر العربي ال (21) لرؤساء أجهزة الهجرة والجوازات    المملكة تواصل الإسقاط الجوي للمساعدات الغذائية على غزة    دب يسحل فتاة في رومانيا    مشروع حضاري    «الدفاع» توقع عقداً مع «إيرباص»    الألمان يلاحقون «لامين جمال».. والسبب «غريب»    حراك عربي لوقف حرب السودان    انتهك خصوصيات المرضى.. النيابة: اتهام مواطن بانتحال صفة ممرض    الإطاحة بخمسة مروجين للمخدرات    الصين: توقيف رجل لتهريبه 100 ثعبان في بنطاله    «التراث» ميراث الحضارات    عصفور الفجر    إثبات الخُلع.. ودٌ بين الزوجين أم نهاية مغلقة؟    عامٌ هجري جديد .. يومٌ للكعبة مجيد    5 تمارين تزيد خطر الإجهاض    علاقة التوحد وبكتيريا الأمعاء.. هل تمهد للعلاج ؟    الهيئة الملكية بالعلا تنجح في توصيف أول مستوطنة في العصر الحجري    عشر دول عربية تشارك في معرض «الإرث» الدولي بجدة    الوقوف والجلوس للموظفين أكثر مخاطر العمل ب29%    «الأرصاد» : موجة حارة على منطقة الرياض غداً    الخماسي الحديث يوقع اتفاقية مع نظيره الكويتي    في الشباك        طحالب خارقة قادرة على النجاة في المريخ    "جوجل" تضيف 110 لغات جديدة للترجمة    إطلاق حملة " عروض صيف جدة"    محافظ المخواة يشرف حفل زواج العمري    الشمراني في القفص الذهبي    أشاد بجهود خفض البطالة وتعزيز مشاركة أبناء وبنات الوطن بمسارات التنمية.. مجلس الوزراء يستعرض برامج ومبادرات تنمية الحاضر والإعداد للمستقبل    أمير الرياض يطّلع على الخطة الإستراتيجية للجنة شؤون الأسرة بالمنطقة    "بيئة مكة" تحتفي باليوم العالمي للأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان    هل يصح تصنيف البنوك إلى إسلامي وربوي؟    كنزة لايلي.. ملكة جمال الذكاء الاصطناعي    تلوثية الحميد تستضيف الدكتورعبدالله بن ثقفان    التنوع في العمل.. ليس مجرد مبدأ.. بل إستراتيجية للنجاح    ميسي ثاني أفضل هداف في التاريخ    لمن لا يعرف محمد الدعيع (2)    القيادة تهنئ حاكم جزر البهاما    السعوديون على ظهور الجمال !    لم يعجبني حديث الوزير    تسهم في تحسين جودة الحياة.. مختصون ل (البلاد) : اشتراطات مكائن الخدمة الذاتية تعزز حماية المستهلك    المفتي يستقبل الشهراني    آل هضبان: إنسانية تركي بن طلال تدعو لتعزيز الشيم والتكافل    جناح "صنع في حائل" يستهوي زوار فعاليات مهرجان بيت حائل    أكثر من مليون زائر لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    تعيين هارتويج فيشر لإدارة وتأسيس متحف متخصصٍ بالثقافات العالمية في حديقة الملك سلمان    الدكتور تميم الحميد يؤكد.. بدعم قيادتنا جهودنا في جمعية كبدك لا حدود لها    "الشؤون الإسلامية" تكثف خدماتها الإرشادية خلال موسم العمرة    سمو أمير الباحة يُناقش المشروعات التنموية والخدمات المقدمة    محافظ جدة يرأس اجتماعات تهدف لتطوير وتحسين الخدمات    أمير الرياض يستقبل الأمراء والمسؤولين والأهالي والسفير الفرنسي    أمير تبوك ينوه باللحمة الوطنية الصادقة للمجتمع    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير التدريب التقني والمهني    أمير منطقة تبوك يستقبل المواطنين في اللقآء الأسبوعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرحلة الانتقالية الثانية في مصر: مرسي مقابل المجلس العسكري
نشر في الحياة يوم 28 - 06 - 2012

إن فوز مرشح جماعة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، يوسّع الهامش الضيّق ولكن المهم لتحقيق المزيد من الانفتاح الديموقراطي في مصر. لكن المسار لا يزال طويلاً وشاقاً قبل أن يتمكّن قادة البلاد المُنتَخَبون ديموقراطياً من ممارسة السيطرة الحقيقية على القوات المسلحة. وإن لم يتمكّنوا من ذلك، فإن قدرة الحكومات المقبلة في المستقبل على صوغ السياسات العامة وتنفيذها ستكون محدودة، وستبقى تلك الحكومات عرضة إلى عدم الاستقرار والاستمرارية.
غير أن مناصري النظام السابق، والسياسيين العلمانيين غير الليبراليين، وحتى بعض الشخصيات الليبرالية، واثقون من أن مرسي لن يبقى في الرئاسة لأكثر من سنة، فكيف بالأحرى إتمام ولايته البالغة أربع سنوات. ويتطلّعون إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم لتوجيه عملية صوغ الدستور الجديد وانتخاب برلمان جديد في الأشهر المقبلة، من أجل ضمان أن يكون مرسي رئيساً انتقالياً فقط. وإذا نجح المجلس في ذلك، فستخضع مصر إلى الوصاية العسكرية الدائمة.
يدلّ «الإعلان الدستوري المكمِّل» الذي أصدره المجلس العسكري في 17 حزيران (يونيو) الحالي بوضوح تام على ما هو آتٍ. فلقد قام المجلس، عملياً، بالعودة إلى البدء، إذ نقض جميع الترتيبات والجداول الزمنية والنتائج الانتقالية التي تمّت خلال الأشهر الستة عشرة السابقة، باستثناء انتخاب الرئيس. وبذلك، دشّن المجلس العسكري مرحلة انتقالية ثانية تمتدّ عبر الأشهر الستة الأولى لولاية مرسي على الأقل.
هذا، وقام المجلس العسكري بكل ذلك من طرف واحد، من دون استشارة الأحزاب والقوى السياسية والمرشّحين الرئاسيين كما فعل خلال المرحلة الانتقالية الأولى. ويؤكّد ذلك على موقعه الخاص بصفته اللاعب السياسي الأقوى في مصر، علماً أنه يشير أيضاً إلى اعتقاد المجلس بأنه يشارف على المرحلة الحاسمة في العملية الانتقالية، ما يملي عليه كشف أوراقه في ما يخصّ الصلاحيات الدستورية والمكانة الاستثنائية التي يتطلّع إلى إدامتها.
إن طريقة تشكيل المرحلة الانتقالية الثانية تمنح المجلس العسكري وسيلتين مهمتين للتأثير على المسار المقبل. أولاً، نصّ الإعلان الدستوري المكمِّل على أن تتم المصادقة على الدستور الجديد قبل أن يُسمَح بإعادة انتخاب البرلمان، الذي أمرت المحكمة الدستورية العليا بحلّه في 14 حزيران. وقد تقدّم القادة البرلمانيون إلى مجلس إدارة الدولة لنقض أمر المحكمة، إلا أنها لو أعادت تأكيده فإن من شأن ذلك حرمان مرسي من دعمَ حليفٍ سياسي مهم ولاعب مؤسّسي رئيس خلال التفاوض مع المجلس العسكري وحلفائه على الدستور الجديد.
كذلك، فإنه في غياب البرلمان، سينشأ خلاف حول الجهة المخوَّلة إقرار الحكومة الجديدة: مرسي لديه صلاحية اختيار رئيس الوزراء، لكن من الأرجح أن يؤكّد المجلس العسكري مجدداً على احتكاره لسلطة تعيين مجلس الوزراء، ما يزيد من قدرته على محاصرة وتقويض الدور السياسي لأي ائتلاف حكومي يشكّله الرئيس.
أما الوسيلة الثانية التي منحها المجلس العسكري لنفسه للتأثير على العملية الانتقالية المقبلة، فتتمثّل في حقّه في إحالة أي مادة دستورية يعترض عليها إلى المحكمة الدستورية العليا، التي له النفوذ الكبير عليها، لاتّخاذ القرار النهائي بشأن تأكيد صحّتها أو رفضها. وتتّسم المعايير التي يفترض أن يطبّقها المجلس العسكري والمحكمة الدستورية بالعمومية العجيبة، إلى درجة إفراغها من أي معنى قانوني: إذ يمكن الاعتراض على أي مادة تتعارض مع «أهداف الثورة ومبادئها الأساسية» أو «الدساتير المصرية السابقة»، هكذا ومن دون المزيد من التشخيص أو التحديد، ما يوحي بإمكان شمول لا الانتقال الديموقراطي الجديد وحسب، بل أيضاً عهود مبارك والتحوّل الاشتراكي والنظام الملكي السابقة.
وصحيح أن الإعلان الدستوري المكمِّل يمنح حق الاعتراض إياه لمرسي ورئيس الوزراء والمجلس الأعلى للهيئات القضائية وأي كتلة تضمّ خُمس أعضاء المجلس التأسيسي (المُناطة به صوغ الدستور). إلا أن الأمر الأهم هو امتلاك المجلس العسكري القدرة على إطالة العملية الانتقالية برمّتها ولَوِي ذراع الأطراف الأخرى حتى يأخذ ما يريد من نصوص دستورية.
إن المجلس العسكري في موقع قوة لا يمكن تجاهله، ولكنه يواجه مأزقاً على الرغم من ذلك. فهو لا يسعى إلى إعادة إنتاج الجوانب السلطوية للدساتير السابقة بالكامل، إذ إنه لا يقدر على ضمان أن يكون الرؤساء المقبلون إما عسكريين سابقين وإما مدنيين موالين له، لكي يستخدموا الصلاحيات والسلطات الرئاسية المركّزة لصالحه. غير أن إفصاح المجلس العسكري مسبقاً عن شروطه ومطالبه إنما يضع مسألة مستقبل العلاقة المدنية - العسكرية صراحةً على بساط البحث العلني.
ولعل المجلس العسكري سينجح في نهاية المطاف في انتزاع صلاحيات دستورية معيّنة، تكون من اختصاص السلطات المدنية المُنتَخَبة في النظم الديموقراطية: منها حقّ إعلان الحرب، وممارسة الإشراف والسيطرة على موازنة الدفاع وعلى وجهات استخدام المعونة العسكرية الأميركية، وتعيين قادة القوات المسلحة وأركانها، وإقرار صفقات شراء الأسلحة. لكن المجلس قد يواجه صعوبة أكبر من الآن فصادعاً في الحفاظ على الاختراق العسكري الواسع والمكثَّف لبنية الحكم المحلي (أي المحافظات والبلديات المدينية والريفية)، ولوزارات الدولة والإدارات المدنية، وللهيئات التجارية المملوكة للدولة وغيرها من المرافق الاقتصادية، ووزارة الداخلية والشرطة، ومديرية الاستخبارات العامة التابعة رسمياً لرئاسة الجمهورية.
هذا، ويواجه المجلس العسكري لاعباً جديداً هو محمد مرسي. ومع أن الإعلان الدستوري المكمِّل قد قيَّد من صلاحياته لما تبقّى من المرحلة الانتقالية، مهما طال ذلك، إلا أنه لا شك سيسعى إلى تحويل الشرعية المُناطة بالرئاسة إلى مكسب سياسي يستخدمه في الصراع المقبل حول صوغ الدستور. وبعد المصادقة على الدستور، من المرجّح أن يتطلّع مرسي إلى التعاون مع البرلمان لتعميق السلطة المدنية الفعلية، بغضّ النظر عن تفاصيل التوازن الذي سيتضمّنه الدستور الجديد في ما بين السلطات الرئاسية والبرلمانية. ولن يتبدّل ذلك كثيراً حتى إذا حصلت انتخابات برلمانية جديدة، وتراجعت حصة «الإخوان المسلمين» فيها، لأن الكثيرين ممّن صوّتوا لمنافس مرسي في الانتخابات الرئاسية، رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، لم يفعلوا ذلك على أمل استعادة النظام القديم، وبالتالي قد يؤيّدون الإصلاحات الديموقراطية مستقبلاً.
كما لن يتمكّن المجلس العسكري من تأخير المصادقة على الدستور الجديد أو تدشين البرلمان (إذا تمّ حلّه) إلى ما لا نهاية. فمن جهة، من شأن الصلاحيات والاستثناءات التي يسعى المجلس العسكري إلى تثبيتها كمبادئ دستورية دائمة، أن تضعه فوق جميع الهيئات والسلطات المدنية. ولكن من جهة أخرى، يتطلّع المجلس حقيقةً إلى التخلّي عن دوره المباشر بإدارة البلاد، وإلى استبدال حكمه العسكري الشامل والصريح بوصاية عسكرية أقل ظهوراً على الدولة المصرية. ولأجل تحقيق ذلك، يترتّب عليه القبول بتوازن معيَّن بين الصلاحيات السيادية الموروثة التي يصرّ على أنها من حقّه، وبين تقديم التنازلات الحقيقية إلى المُطالِبين بالحكم المدني الفعلي. إن استمرار الانتقال الديموقراطي في مصر وتعميقه ليس مضموناً بالتأكيد، ولكن هناك هامش ينبغي على مرسي والقوى السياسية الأخرى توسيعه واستخدامه.
* باحث أول في مركز كارنغي للشرق الأوسط، بيروت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.