صادقت «اللجنة الوزارية الإسرائيلية الخاصة لشؤون سنّ القوانين» قبل أيام، على مشروع قانون جديد يرمي إلى حماية الأدب والأدباء في إسرائيل. وهو ينص على تطبيق «فترة حماية» مدتها 18 شهراً على أي كتاب جديد يتم إصداره في إسرائيل، يُحظر خلالها تغيير سعره للمستهلك، وذلك بهدف حماية مداخيل الأدباء من أعمالهم. وأشار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، بالتزامن مع المصادقة على مشروع القانون هذا، إلى أنه يتعين على شعب إسرائيل بصفته «شعب الكتاب» التزام حماية مصادر أرزاق الأدباء الذين يكوّنون بإبداعاتهم الكنوز الثقافية، معتبراً أن مشروع القانون الجديد يوجد التوازن الصحيح بين التطلع إلى عدم جعل الكتب ترفاً زائداً بحيث يستطيع الجميع الاستمتاع بتجربة القراءة، وبين ضرورة حماية المبدعين وإبداعاتهم. وأكدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية ليمور ليفنات ضرورة تمكين الجمهور الإسرائيلي الواسع حاضراً ومستقبلاً من الاستمتاع بالأدب الإسرائيلي العبري النوعي، وقالت إن ذلك لن يتجسد إلا إذا مُنح الأدباء والشعراء الإسرائيليون الجزاء اللائق والجدير بهم في مقابل أعمالهم، ما يتيح لهم إمكان مواصلة الإبداع، والارتقاء بالأدب العبري. وعرضت الوزيرة، في مناسبة «شهر المطالعة وأسبوع الكتاب العبري» الذي يحل في شهر حزيران (يونيو) من كل عام، بعض المعطيات الخاصة بعادات القراءة لدى الإسرائيليين، والتي أشارت إلى أن السنوات الأربع الفائتة شهدت ارتفاعاً بنسبة 18,5 في المئة في عدد قرّاء الكتب، بينما اشترك نحو 600 ألف شخص في أنشطة ثقافية متعددة خلال عام 2011. وتبنت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع قراراً يقضي بدفع الأدب والشعر العبرييْن قدماً، عبر أنشطة للجمهور الواسع في المكتبات العامة، إضافة إلى لقاءات مع أدباء في المكتبات والمقاهي ورحلات في أعقاب الكتب. ضياع الهوية وأكدت الوزيرة ضرورة مواصلة العمل على تقريب الجمهور من القراءة، ومن الأدباء والشعراء، وفوق كل ذلك من اللغة العبرية. وقال رئيس الحكومة إنه يتعين الحفاظ على التقليد العريق للمطالعة باعتباره ضماناً لعدم ضياع الهوية والثقافة، ولعدم جعل الأدباء يفقدون قدرة الاسترزاق من أعمالهم. واستدعت هذه الوقائع عدداً من المثقفين الإسرائيليين إلى تناول المشهد الثقافي في إسرائيل، وبرز من بينهم الكاتب أهارون أبلفيلد الحائز على «جائزة إسرائيل في الأدب»، والناقد ومحرّر الكتب مناحيم بيري، اللذان أكدا أن مشكلة الثقافة الإسرائيلية في الزمن الراهن غير كامنة في أوضاع القراءة والكتب، أو في المحافظة على حقوق الأدباء وكبح شروط الاستهلاك التي تقرها شبكات تسويق الكتب الكبرى فحسب، وإنما أساساً في جوهر هذه الثقافة، وفي نوعية الكتب التي تصدر عن دور النشر المتعددة في الآونة الأخيرة. وقال أبلفيلد، في سياق مقابلة مطولة أدلى بها إلى الملحق الأسبوعي لصحيفة «معاريف»، إن ما يقلقه أكثر من حملات تخفيض أسعار الكتب التي تمس مصدر أرزاق الأدباء هو كون الثقافة الإسرائيلية تشدّد على العلوم والتكنولوجيا، وتهمل النزعة الإنسانية، وهذا الأمر ينطوي على خطأ فادح. وأضاف أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها الثقافة الإسرائيلية في الوقت الراهن تعود بصورة رئيسة إلى عدم تحوّل الأدب في إسرائيل إلى حاجة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها، كما هي الحال في مجتمعات أخرى مثل المجتمع الروسي، حيث تشعر النخب المثقفة هناك بأن روسيا لا تساوي شيئاً من دون أدبها الذي أُنتج على مرّ العصور بتحولاتها الشتيتة. وأشار إلى أنه حتى اللغة السائدة في إسرائيل الآن أصبحت مشتقة من الصحف والسيرورات اليومية، ومن المبدأ التجاري «هات وخذ»، فضلاً عن واقع تبدّد الهدوء النفساني المطلوب من أجل تحفيز القراءة المتعمّقة، وفي ظل أوضاع كهذه يمكن أن تنتج هذه اللغة أي شيء إلا الأدب الرفيع. وبرأي أبلفيلد، إسرائيل عبارة عن مجتمع مهاجرين مشروخ، يلهث أكثر من أي شيء آخر وراء تأمين حاجاته الاستهلاكية المادية، ويعيش في توتر دائم، والتوتر يعتبر أخطر عدو للأدب والإبداع، فضلاً عن كون هذا المجتمع غير متفرّغ على الإطلاق للحظة توحّد مع الذات تفضي به إلى التحليق في فضاء العالم الروحاني العلوي، والتي اعتبرها مارسيل بروست من أهم شروط إبداع الأدب الرفيع. وكل ما عدا ذلك يشكل تفصيلات لا أهمية لها، بدءاً بحملات خفض أسعار الكتب، وانتهاء بمكافحة شبكات تسويق الكتب التي تحتكر السوق. وانتقد أبلفيلد أيضاً ما يحدث داخل أروقة الجامعات الإسرائيلية، ولا سيما تشديدها في الآونة الأخيرة على العلوم والتكنولوجيا الرفيعة، وإهمالها موضوعات الأدب والفلسفة وعلم النفس، مؤكدًا أن من دون الحرص على تربية إنسانية قويمة لن تكون هناك علوم متفوقة. نشير هنا إلى أن أبلفيلد وُلد في مقاطعة بوكوفين الرومانية لعائلة يهودية تخلت عن عاداتها وقيمها اليهودية، وعايش وهو في الثامنة من عمره معسكرات الإبادة النازية حين هلك جميع أفراد عائلته، قبل أن يفرّ وحده ويتوه مدة أربع سنوات في غابات أوكرانيا. تحقير واستبعاد وقد فتح النار في حوارات سابقة على ما أسماه «طوباوية مشاعر اليهود» التي رافقت نشوء دولة إسرائيل حيث يعيش منذ عام 1946، مشيراً إلى أن العقلية اليهودية تنميطية إزاء من ليسوا يهوداً، وتشهد على ذلك عبارة «غوييم» (الأغيار) التي تنطوي على تحقير كل من هو غير يهودي. أمّا مناحيم بيري الذي يعتبر من أعرق محرري الكتب في إسرائيل، فرأى في سياق مقابلة مطولة أدلى بها إلى صحيفة «هآرتس» أن الأدب الإسرائيلي يشهد حالة انهيار ستؤدي إلى نهايته. وبرأيه يعود سبب ذلك إلى انحسار دور النشر النوعية، وتآكل مساهمتها وقدرتها على ترشيد هذا الأدب، وحضّه على اقتحام عوالم جديدة، في ظل الخلل الكبير الذي تتعرض له سوق الكتب. وأشار إلى أن النهضة الثقافية لا تقوم على أساس كمية الكتب التي يشتريها القراء، وإنما على نوعية الكتب التي يقرأونها، وتؤثر في بلورة ذائقتهم الأدبية. والوضع القائم الآن يشير إلى أن معظم جمهور مستهلكي الكتب لا يقدم على شراء كتب بتأثير مطالعة نقد جيد لها، وإنما يقدم على شراء كتب لمجرّد كونها مشمولة في نطاق حملة تخفيض الأسعار، وفي ضوء ذلك أصبحت البيوت في إسرائيل مليئة بكتب كهذه، وليس من الصعب تقدير أن معظمها لم يُقرأ. ويتوقع بيري أن تحل دور النشر التجارية الكبرى في غضون السنوات الخمس المقبلة محل دور النشر النوعية، وعندها لن يكون هناك من يحرص على إعادة نشر أمهات الكتب الأدبية التي صدرت في السابق، لكونها ليست ذات قيمة تجارية آنية بالنسبة إلى تلك الدور التجارية، ولكون قيمة هذه الكتب الأدبية لا تدخل أصلاً في اعتباراتها الاقتصادية، وما سيترتب على ذلك هو غياب كتب الرعيل السابق من الأدباء الإسرائيليين من رفوف مكتبات البيع، كما لو أنها «منتوجات لم تعد صالحة للاستعمال» هنا والآن.