ازدادت وتيرة الترجمة من العبرية إلى العربية في السنوات الأخيرة، وكثر الحديث عن الأدب العبري في الأوساط الأدبية الفلسطينية، إما باعتباره حقيقة حاضرة، أو بكونه مطلبا يستوجب تحقيق حضوره، لمعرفة كيف يصورنا الأدب العبري. فرغم محدودية الترجمة من العبرية إلى العربية مقارنة بما هو الحال في الترجمة من العربية إلى العبرية فإن الأمر يستحق الوقوف عند بعض الأسئلة للإجابة عليها: هل نترجم أم لا؟ وهل الترجمة من العبرية إلى العربية تخضع لمعايير رقابية، أم أنها تتم وفق اجتهادات فردية تخضع لمنظور شخصي لا أكثر؟ وهل الترجمة تطبيع ثقافي؟ هذه الأسئلة وغيرها جعلتنا نحاول سبر غور هذه القضية، لفك طلاسمها ورموزها، وذلك عبر الالتقاء مع العديد من المختصين. أمر ضروري يرى الأديب والإعلامي الفلسطيني حسن عبد الله "مدير تلفزيون وطن في رام الله" أن الترجمة "أمر ضروري، خصوصا في الحالة الفلسطينية؛ فنحن بحاجة إلى فهم الفكر المقابل، خصوصا إذا كان معاديا، لذلك لا يجب اعتبارها نوعا من أنواع التطبيع". ويضيف عبد الله ل"إسلام أون لاين.نت": إن الموضوع يتعلق بنا نحن الفلسطينيين، ويتعلق كذلك بكيفية قراءة الآخر وبمدى وعينا للقضية ولتاريخ هذه الأرض، ويضيف قائلا: "قد يقرأ القارئ رواية عن حلم ما أو عن حب ما، ويكون لكاتب إسرائيلي، وقد يتأثر به، وقد لا يتأثر، فهناك تفاوت في مستوى الوعي في مجتمعاتنا"، ففي السجن "مثلا" كانت الصحف الإسرائيلية فقط هي المتداولة بين الأسرى الفلسطينيين، وكان رد الفعل من قبل المتلقي يتراوح بين الشعور بالإذعان أو الإكبار لتلك الدولة، وبين التصلب والإصرار على المبادئ الوطنية والثورية، ومن هنا برز دور الحركات والمؤسسات الفلسطينية بضرورة ترسيخ المعاني الوطنية في المتلقي، وضرورة الحذر بنوعية الكتب المترجمة. ويشير عبد الله أن "إسرائيل معنية بمد جسور التواصل مع المجتمع الفلسطيني أولا للسيطرة السياسية على فئة المثقفين، والسيطرة الفكرية التي تهدف إلى تطويع الفكر القومي وقولبته حسب مقاييسها. رقابة إسرائيلية "محمد عواد" شاعر وأستاذ للغة العربية يقول: "يمكن النظر لواقع العمل الثقافي في فلسطين من ثلاث زوايا"، الأولى: تخص الكتاب الذين انخرطوا في عمل مؤسسات المجتمع المدني وهؤلاء طبعوا بطريقة أو أخرى، فتمويل المؤسسة التي يعمل فيها يخضع لشروط الممول ويخضع لرقابة مالية إسرائيلية غير مباشرة. والثانية: الكتاب الذين انخرطوا بمؤسسات السلطة ووزاراتها وينطقون بلسان حالها. والثالثة: الأدباء والكتاب الذي رفضوا مشروع أوسلو، ورفضوا المؤسسات الثقافية التي قامت بناء على الاتفاقية والممولة من الاتحاد الأوروبي كالمسارح وبعض المؤسسات الأخرى في رام الله. ويضيف عواد: "إن كان المقصود من هذه المؤسسات نقل الجديد في الأدب العبري كوسيلة لدراسة المجتمع الإسرائيلي فهذا أمر مرحب به، أما إن كانت لمد جسور التواصل معه، وتطبيع وجوده فوق أرضي كأنه عادي، فهذا مرفوض جدا". ويرى الشاعر أمين جبر أنه لا مؤسسات ثقافية في فلسطين تتلقى الدعم المباشر من إسرائيل، لأن إسرائيل لا تقدم دعما.. هناك مؤسسات تقبل مشاركة مؤسسات إسرائيلية وبدعم أوروبي، لكن مثل هذه المؤسسات مرفوضة على المستويين الشعبي والثقافي، ففي مدينة أريحا العام الماضي تم مقاطعة حفل غنائي بالتعاون مع جمعية بيرز للسلام، ويشير إلى أن الممول الأوروبي أو الأمريكي يرفض تقديم أي دعم لأي مشروع يعزز من صمود الناس ويساهم في بناء مجتمع مثقف وواع. كيف يرانا الآخر؟ الروائية عفاف خلف تتساءل: "لماذا تفترضون أن القارئ مجرد صفحة بيضاء! يأتينا لا يداخله الشك لا من خلفه ولا من بين يديه.. إناء نفرغ به حمولتنا، أو مادة قابلة للتشكيل وفقا لمزاج كاتب!" القارئ أذكى من ذلك بكثير، وليس المطلوب من القارئ "التعاطف" مع الشخوص، بقدر مهمته في فهم تلك الشخوص، وفهم الظروف المحيطة بها.. ربما قرأت يوما عن الهولوكست أو معتقل أوشفيتز والمحارق التي أعدتها النازية لا لليهود وحسب، بل لأعراق وجنسياتٍ أخرى، ومع ذلك لم تستطع إلا التعاطف، ألا يعلمنا ذلك أن اليهودي كان أفصح بيانا في التعبير عن تلك المأساة وتحويرها لصالحه! ألا يدل "تعاطف" الغرب معهم أنهم أكثر ذكاء في تظهير الصورة وفقا لأهوائهم! وأن الغرب ما زال مدفوعا "بهوس" التكفير عن "ذنبٍ" يدفعه ضميرٌ مثقل. وأيضا كيف لي "كعربي وأديب" أن أرد على ما لا أفهمه! إذا لم أعرف روايتهم للحدث كيف لي الرد على تلك الرواية! ويؤكد هذا الناقد والأديب جميل دويلات: أعتقد أن إسرائيل أكثر منا ذكاء وانفتاحا، يهمهم أن يعرفوا ويعاينوا ما يكتبه الآخر عنهم، هذا على المستوى البسيط للأمر، وفيما يخصهم، أما فيما يخص التعاون الرسمي، فالأمر يتطلب وقتا وجهدا، وأعتقد أن مهرجان "القدس عاصمة الثقافة العربية" سيكون بادرة لفتح أبواب عريضة في احتضان المثقفين العرب على اختلاف هوياتهم، ولا أرى ضررا في الأمر، أعتقد أن المثقف هو أكثر الناس وعيا بدوره لا على صعيد "وطنيته أو قوميته" بل على صعيد إنسانيته أيضا، لست أكن العداء لليهودي كديانة، ولكن أكنها له كمغتصبٍ ومحتل ومنتهك لإنسانيتي كإنسان. وليد بكر مترجم كتاب "الصراع العربي الإسرائيلي في الكتب المدرسية الإسرائيلية 1948_2000" يقول: بعد ترجمتي لكتابي "ل أيلي بويدة" الأخير اقتنعت أنه من غير الممكن أن نعيش بسلم نحن وهم على هذه الأرض. وتعلق عفاف خلف "على الأدب العبري": هم مزورون للحقائق بدرجة امتياز، فمن الرائع أن تقرأ كيف يراك الآخر، وكيف يرسم صورتك الكاريكاتيرية في أدبياته وقصائده: همجي.. بدوي لا يفقه شيئا، يخيف النساء والأطفال، ممتلئ بعقده الجنسية وخرافاته، وتضيف: "هكذا يرانا ويقرؤنا الإسرائيلي في أدبياته". وتستطرد قائلة: وفي السياسة لسنا بأحسن حالا؛ فالعقلية القبلية تطغى على تشكيلاتنا السياسية برأي قادته السياسيين، وترهقنا أطماعنا وطائفيتنا، وضيق أفقنا في التعامل مع الآخر حتى لو كان هذا الآخر "أخا" يحمل ذات اللغة وذات الدين وذات الثقافة.. هكذا يصوروننا للغرب، وهكذا يتعاملون معنا.. قرأت العديد من الكتب الأدبية والسياسية بأيدي "إسرائيليين" وأعتقد أنها أفادتني جدا، فمن المهم أن نعرف كيف ينظر إلينا الآخر. تقصير وبالرغم من وجود مختصين ودارسين للغة العبرية وآدابها، تشير الدراسات إلى إن نسبة الكتب المترجمة من العربية إلى العبرية "أكثر منها من العربية إلى العبرية"، ويتضح من دراسة أجرتها مؤسسة مختصة أن نسبة القراءة في إسرائيل تفوق بكثير النسبة في الدول العربية رغم عدم توفر إحصاءات دقيقة عن ذلك في هذه الدول. وحسب الدارسة، فإن توزيع الكتب العربية المترجمة إلى العبرية أكثر من نسخها باللغة العربية، وفقا لإحصاءات دور النشر العبرية التي تصدر مثل هذه الترجمات؛ فإن رواية اللبناني إلياس خوري باب الشمس -مثلا- الصادرة في عام 2000، وزعت نحو 20 ألف نسخة، في حين أنها لم توزع مثل هذا العدد في جميع البلدان العربية رغم أنها تحولت إلى فيلم من إخراج المصري يسري نصر الله، وهو ما يوفر دعاية جيدة للرواية، ناهيك عن قصائد محمود درويش الذي لم يغفر الإسرائيليون يوما لقصيدته "أيها المارون بين الكلمات العابرة"، خلال الانتفاضة الأولى، واستغلوها باستمرار، وتحديدا رجال السياسة منهم، لرفض ومعارضة كل محاولة إسرائيلية لتدريس شعر درويش في المدارس الإسرائيلية، على الرغم من أن أشعاره تمت ترجمتها للعبرية وحققت صدى واسعا في المجتمع العبري. ولا توجد إحصائية ترصد نسبة الترجمة إلى العربية من الأدب العبري، ويجمع الكثير من الأدباء على قلتها، ويرجع المختصون في الترجمة أسباب قلتها في فلسطين على الرغم من وجودها "إلى توجس كثير من الكتاب من الوقوع في تهمة التطبيع، وعدم الوعي الكافي في المجتمع الفلسطيني بأهمية الترجمة من الأدب العبري، وقلة دور النشر التي تعنى بأعمال الأديب سواء كانت كتابات إبداعية أو نقل عن الآداب الأخرى ومنها العبري، والركود المزمن في سوق الكتاب في فلسطين أسوة بباقي الدول العربية". صحفي فلسطيني إسلام أون لاين