تحدثتُ في مقالٍ سابق عن انطباعاتي الأولية أثناء زيارتي لجامعة ديمن الواقعة في مدينة صغيرة وجميلة وهادئة ومرتبة بالقرب من نيويورك. وختمت مقالي بالحديث عن العمل الجزئي الذي يساعد الطلاب والطالبات أثناء أداء واجباتهم الجامعية، وهو يحقق هدفين: الأول خدمة الطلاب والطالبات، والثاني الاستفادة من خدمات وعلم الطلاب والطالبات الذين تخرجوا سابقاً بعد اختيارهم بعناية مبنية على معايير محددة (لا تعتمد على اسمه أو اسم عائلته أو مدى قربه من العميد) عن طريق توفير وظائف لهم مدفوعة الثمن. سؤالي هو: لماذا لا نستحدث وظائف مشابهة لطالباتنا الباحثات عن عمل؟ لماذا لا تكون هناك خدمة مشابهة، وهي مجانية للطلاب ومدفوعة الأجر عن طريق الجامعة لمقدمي الخدمة، والأهم أن تكون وفق معايير محددة، وأن يكرر العقد لهم بحسب آراء الطلاب والطالبات عن طريق استبانة خاصة. نحن نشتكي كمجتمع من ارتفاع أجور العاملات وارتفاع تكاليف استقدامهن، ولا سيما بعد غضب دولتين من سوء تعامل البعض ورد الفعل المتوقع منهن، الذي ظهر عن طريق جرائم أدمت قلوبنا راح ضحيتها أطفال ليس لهم ذنب. سؤالي: هل يجب أن تحتضن منازلنا الخدم؟ ألا نستطيع أن نخدم أنفسنا وننظف بيوتنا بأنفسنا؟ من النادر أن تجد في الغرب منزلاً تلازمه خادمة ليلاً ونهاراً. الكل هنا يعمل ويقوم بما يتوجب عليه عمله من دون الشعور بالخجل. وإذا ألحَّ الأمر فهناك إمكان تأجير العمالة لأداء مهمات محددة بأجر معروف مسبقاً، وبنظام الساعات، ولا تستغرب فقد تأتي العاملة بسيارتها الخاصة وبملابس مرتبة ونظيفة، وتعلم منها وهي تتحدث معك من دون انكسار أنها طالبة جامعية، وأنها تعمل بنظام الساعات لتغطية مصروفاتها. البيوت هنا مصممة بذكاء خارق، فالشخص يتمكن من تنظيف منزله كاملاً في مدة ساعة واحدة وعلى أفراد الأسرة إخراج القمامة ووضعها مغلقة في صندوق القمامة الخاص بها، الذي وُضع بذكاء بحيث يخدم السكان المحيطين بسهولة ويسر. ولا أحد يجرؤ على تحريكه من مكانه. علينا إعادة النظر في مدى حاجتنا إلى الخدم في بيوتنا علينا إعادة النظر في إصرارنا على الحصول على بيوت كبيرة لا تتناسب في معظم الأحيان مع حاجتنا الفعلية، ولا مع رواتبنا الحقيقية. علينا إعادة النظر في بعض سلوكياتنا التي أفرزت ما سبق، فأسلوب المرور على البيوت للزيارة من دون موعد سابق أعتقد بأنه هو ما جعلنا نحترز في وضع غرف عدة في وضع الاستعداد، تحسباً لأي ضيف قد يأتي في أوقات غير مناسبة، وهذا أثّر أيضاً في مفهومنا للصرف على الطعام ثم إلقاء المتبقي منه في القمامة، لأنه زائد عن الحاجة الفعلية، وكل ما سبق تحسباً لمرور ضيوف! خلاصة الحديث أن الكثير من أفكارنا وسلوكياتنا بحاجة إلى إعادة غربلة حتى نعيش الواقع. [email protected] s_almashhady@