منذ سنوات اختُصِر عيد الأمّ في لبنان بالشعارات والسلع الاستهلاكية، حتّى أنّ الأمّهات أنفسهن بدأن يشعرن أنّ العيد يفقد رونقه ومعناه الحقيقي ليصبح مقتصراً على تقديم الهدايا التي وحدها «تثمّن» حبّ الأولاد لأمّهاتهم. وقبل يوم 21 آذار (مارس) من كل عام، تبدأ الإعلانات المكثفّة عبر الوسائل الإعلامية المحلية، قبل أسابيع، وتغطّى واجهات المحال بالتعابير المحفّزة على تقدير الأم عبر تقديم الهدية المناسبة لها. أمّا من لا تمكّنه قدراته المالية من شراء الهدايا، فيجد نفسه في عيد الأم غريباً وغير قادر على مواجهة أمّه ببعض الكلمات المعبّرة التي يمكن أن تكون أثمن من كلّ السلع المادية. وهذه المظاهر بالتحديد هي التي يقاومها عيد الأب بشدّة هذا العام في لبنان، بعدما أصبحت المحال المتخصّصة ببيع الهدايا بحسب المناسبة موجودة عند كلّ زاوية شارع، فهذا العيد لم يكتسب الشهرة نفسها كما عيد الأمّ لكنّ ذلك لا يعني أنّه بمنأى عن الأهداف التجارية أبداً. لا يمكن تسويقه! لماذا يكون الأب عصيّاً حتّى اليوم على كلّ الحملات الإعلانية والتسويقية؟ ولماذا لم يكتسب عيده الشهرة تماماً كما عيد الأم في لبنان؟. ليس الجواب خفياً بالنسبة إلى عمر خيرالله، وهو مدير قسم التسويق في متجر متخصّص ببيع الهدايا والأكسسوارات، ف «صورة الأب في المجتمعات الشرقية مرتبطة بالقوّة والسلطة وأحياناً القساوة وليس المشاعر والحبّ، وهذا ما يُصعّب عملية التسويق لمنتجات خاصة بعيد الأب». ويضيف خيرالله أنّ المتجر الذي يعمل فيه يحاول سنوياً الترويج لهذا العيد من خلال اللافتات الإعلانية ووضع الهدايا اللافتة على الواجهة، لكنّ الإقبال ضعيف جداً مقارنة بعيد الأم. وهو يعيد السبب إلى أنّ «الآباء لا يفرحون بالهدايا كما الأمّهات، فهم يحافظون على مركزهم كأساس المنزل العائلي وهم الذين يعيلون الآخرين، وبالتالي فهم يكرّسون الصورة النمطية أنّ الرجال لا يحتاجون إلى التعبير العاطفيّ عن التقدير لهم بقدر ما يبحثون عن البراهين العملية والعقلانية عبر طاعة الأولاد لهم مثلاً». هذا التفسير المنطقيّ لصعوبة التعامل مع عيد الأب بعكس عيد الأمّ يلقى ثناء من الباحثة الاجتماعية ليال فخر الدين، فهي تشدّد أيضاً على أنّ «مجرّد التلفّظ بكلمة أب ما زال يثير الرهبة لدى الأولاد مهما تقدّموا في السنّ». لكنّ فخر الدين ترى أنّ «الثقافة الاستهلاكية التي تقوى جذورها في لبنان يمكن أن تطاول هذا العيد أيضاً، تماماً كما طاولت أعياداً ذات قيمة دينية رفيعة». وبالتالي فإذا كان عيد الأب ما زال مقاوماً حتّى اليوم لمظاهر البيع والشراء، لا يعني ذلك أنه سيستمر خلال السنوات القليلة المقبلة كما تقول فخر الدين، لأنّ «الشركات التجارية تحتاج لأقلّ مناسبة للتسويق لمنتجاتها». وتعطي فخر الدين مثالاً على ذلك الحملة الإعلانية التي أطلقت العام الماضي تحت شعار «الدنيا أمّ... وأب أيضاً»، ما يظهر أنّ هناك مؤشرات لتسويق عيد الأب بما أنّه هو أيضاً أساس العائلة ومصدر للحنان والعاطفة للأولاد. ليس في الذاكرة لكنّ هذه النظرة التجارية لموضوع عيد الأب تبقى ناقصة أمام تجاهل الواقع المنظور. فهذا العيد ما زال مجهولاً للكثير من اللبنانيين، فعند سؤال «الحياة» ثلاثين شخصاً عن ماذا يعني لهم يوم 21 حزيران، لم يجب إلا ستة منهم بأنّ هذا اليوم هو مخصّص لعيد الأب. وهذا ما يُظهر أنّ هذا العيد لم يُنقَش بعد في ذاكرة اللبنانيين، وهم يحتاجون إلى مَن يذكّرهم به وإلاّ مرّ مرور الكرام من دون أجواء البهجة والاحتفالات التي ترافق عيد الأم. وعلى رغم أنّ الوسائل الإعلامية المحلية، وخصوصاً المرئية منها، توجّه المعايدة للآباء في هذا اليوم، فالمؤسسات الاجتماعية الأخرى لا تؤدي الدور نفسه. وهذا ما يمكن ملاحظته في المدارس أولاً، وتقول باميلا، التلميذة في الصفّ السادس ابتدائي، انّ المعلّمات يحضّرن التلاميذ لعيد الأم قبل أيام، ويعلّمنهم القصائد وتحضير الهدايا البسيطة، فيما لا يتذكّرن عيد الأب أبداً، ربما لكون تاريخه يأتي في فترة الامتحانات المدرسية. الأسباب عديدة لكون عيد الأب لم يكتسب موقعه الثابت في قواميس الأعياد في لبنان بعد، لكنّ السنوات المقبلة يمكن أن تحمل مفاجآت على هذا الصعيد، خصوصاً أنّ شخصية الأب بدأت تتغيّر في المجتمع اللبنانيّ مع الجيل الشاب إذ أصبح أكثر اتصالاً مع أطفاله وهو يساعد في تربيتهم تماماً كما الأمّ من دون أن يقتصر دوره على الالتزام بدور الرجل السلطويّ أو المُعاقِب والمحاسِب.